قرية من قرى همذان من ناحية يقال لها ونجر بها منارة الحوافر، وهي منارة عالية من حوافر حمر الوحش، حكى أحمد بن محمّد بن إسحاق الهمذاني أن شابور بن أردشير الملك حكم منجموه انّه يزول الملك عنه ويشقى، ثمّ يعود إليه، فقال لهم: ما علامة عود الملك؟ قالوا: إذا أكلت خبزا من الذهب على مائدة من الحديد!
فلمّا ذهب ملكه خرج وحده تخفضه أرض وترفعه أخرى، إلى أن صار إلى هذه القرية فأجر نفسه من شيخ القرية يزرع له نهارا ويطرد الوحش عن الزرع ليلا، فبقي على ذلك مدّة وكانت نفسه نفس الملوك، فرأى شيخ القرية منه أمانة وجلادة فزوّج بنته منه، فلمّا تمّ على ذلك أربع سنين وانقضت أيّام بؤسه اتّفق ان كان في القرية عرس اجتمع فيه رجالهم ونساؤهم، وكانت امرأة شابور تحمل إليه كلّ يوم طعامه، فكانت في ذلك اليوم اشتغلت عنه إلى ما بعد العصر.
فلمّا ذكرت عادت إلى بيتها فما وجدت إلّا قرصين من الدخن، فحملتهما إليه فوجدته يسقي الزرع وبينها وبينه ساقية. فمدّ المسحاة إليها فجعلت القرصين عليها، فقعد يأكلهما فتذكّر قول المنجّمين: أكل خبز الذهب على مائدة الحديد.
فعرف أن أيّام البؤس انقضت، فظهر للناس واجتمع عليه العساكر وعاد إلى ملكه. فقالوا: ما أشدّ شيء عليك في أيّام البؤس؟ قال: طرد الوحوش عن الزرع بالليل! فصادوا في ذلك الموضع من حمر الوحش ما لا يحصى، وأمر أن يبنى من حوافرها منارة، فبنوا منارة ارتفاعها خمسون ذراعا ودورتها ثلاثون مصمتة بالكلس والحجارة، وحوافر الوحش حولها مسمّرة بالمسامير، والمنارة مشهورة في هذا الموضع إلى زماننا.