مدينة مشهورة من مدن الجبال. قيل: بناها همذان بن فلوج بن سام بن نوح، ﵇. ذكر علماء الفرس أنّها كانت أكبر مدينة بأرض الجبال، وكانت أربعة فراسخ في مثلها فالآن لم تبق على تلك الهيئة، لكنها مدينة عظيمة لها رقعة واسعة، وهواء لطيف وماء عذب وتربة طيّبة، ولم تزل محلّ سرير الملوك.
ولا حدّ لرخصها وكثرة الأشجار والفواكه بها. أهلها أعذب الناس كلاما وأحسنهم خلقا وألطفهم طبعا. ومن خصائصها ألّا يكون الإنسان بها حزينا ولو كان ذا مصائب. والغالب على أهلها اللهو والطرب لأن طالعها الثور، وهو بيت الزهرة، والغالب على أكثرهم البلاهة، ولهذا قال قائلهم:
لا تلمني على ركاكة عقلي … إن تيقّنت أنّني همذاني!
وحكي أن دارا لمّا تأهّب لمحاربة الإسكندر أحكم عمارة همذان، وجعل في وسطها حصنا لحرمه وخزانته، ووكل بها اثني عشر ألف رجل من ثقاته لحفظها متى قصدها قاصد، وذهب إلى قتال الإسكندر. فلمّا قتل دارا في القتال بعث الإسكندر إلى همذان قائدا اسمه صقلاب في جيش كثيف، فحاصرها، فلمّا عجز عنها أخبر الإسكندر بحصانة الموضع وعجزه عنه، فكتب إليه الإسكندر أن صوّر المدينة بجبالها ومياهها وعيونها وابعث بالصورة إليّ، وأقم هناك حتى يأتيك أمري. ففعل صقلاب ذلك فأرسلها الإسكندر إلى أستاذه أرسطاطاليس وقال له: دبّر لي فتح هذه المدينة.
فأمره أرسطاطاليس أن يحبس مياهها حتى يجتمع منها شيء كثير ثمّ يرسلها إلى المدينة. ففعل صقلاب ذلك كما قال، فهدم سورها وحيطانها فدخلها صقلاب وسبى ونهب، وبقيت المدينة تلّا، وأمّا المدينة الموجودة في زماننا هذا فلا شكّ في أنّها أحسن البلاد وأنزهها وأطيبها، ولهذا لم تزل محلّ الملوك، ولكلّ ملك من ملوك الجبال بها قصر يأتيه فصل الربيع والصيف. فإنّها في هذين الفصلين تشبه الجنّة