ولم تزل هراة من أحسن بلاد اللّه حتى أتاها عين الزمان عند ورود التتر، فخربوها حتى أدخلوها في خبر كان، وحكى من كان بها أن التتر لمّا نزلوا عليها راسلهم أحد أعيان المدينة أن يفتح لهم بابا من أبوابها، على شرط أن يأمن هو وأهله، فأجابوه إليه. فلمّا فتح لهم دفعوا إليه رجلا ليقف على باب داره ويمنع التتر من دخولها. وكان لصاحب الدار نسيب بعث إليه أن عجل إلى داري بأهلك فإنّها مأمن. فقال النسيب: ان حالوا بيننا وبينكم فأرسل الرجل التتري إلينا ليحملنا إليكم. فأرسله إليهم، فلمّا غاب عن باب داره نزل عليها قوم من التتر وقتلوا كلّهم، فلمّا جاء الرجل التتري بالنسيب وجد القوم قتلوا عن آخرهم، فتركهم ومرّ على وجهه وقتل النسيب أيضا، ولم ينج منهم أحد.
وينسب إليها إبراهيم ستنبه من البراهمة الأربعة الذين يشفع بهم إلى اللّه تعالى وهم: إبراهيم بن أدهم بمكّة، وإبراهيم الخواص بالريّ، وإبراهيم شيبان بقرميسين، وإبراهيم ستنبه بقزوين.
حكى إبراهيم بن دوحة قال: دخلت مع إبراهيم ستنبه بادية مكّة، وكان معي دينار ذهب فقال لي: اطرح ما معك، فطرحته. ثمّ قال لي: اطرح ما معك، فما كان معي إلّا شسع نعل فطرحته. فما احتجت في الطريق إلى شسع إلّا وجدته بين يديّ، فقال: هكذا من يعامل اللّه صدقا!
وحكى بعضهم قال: كنّا عند مسجد أبي يزيد البسطامي فقال لنا: قوموا نستقبل وليّا من أولياء اللّه تعالى، فمشينا فإذا هو إبراهيم ستنبه الهروي، فقال له أبو يزيد: وقع في خاطري أن أستقبلك وأشفع لك إلى ربّي! فقال له إبراهيم:
لو شفعت لجميع الخلق ما كان كثيرا، فإنّهم كلّهم قطعة من طين، فتحيّر أبو يزيد من حسن جواب إبراهيم وقال: اللهمّ ارفع درجاتهم وانفعنا بمحبّتهم ومحبّة أمثالهم!