وأربعمائة ليلة الاثنين الخامس من آب زلزلة هائلة، وتتابعت إلى اليوم. سقط منها أبنية كثيرة، وخسف هناك حصن وكنيسة حتى لم يبق لهما أثر، وتبع من ذلك الخسف ماء حارّ كثير شديد الحرارة، حتى غرق منه سبعون ضيعة، وهرب خلق كثير من أهل تلك الضياع إلى رؤوس الجبال، وبقي ذلك الماء على وجه الأرض تسعة أيّام ثمّ نضب.
[فاراب]
مدينة من بلاد ما وراء النهر. ينسب إليها الحكيم الأفضل أبو نصر بن طرخان الفارابي، وهو أوّل حكيم نشأ في الإسلام. فهم كلام أرسطاطاليس ونقله إلى اللغة العربيّة، وقد خصّه اللّه تعالى بمزيد فطانة حتى أحكم أنواع الحكمة حتى علم الموسيقى والكيمياء، فكان يمشي في البلاد متنكّرا من خوف الملوك، فإنّهم كانوا يطلبونه، فإذا وصل إلى مدينة وأعجبته تلك المدينة سكنها مدّة، ويشتري بها دارا وبستانا وجواري وعبيدا، فإذا ملّ عنها زوّج الجواري من العبيد ووهب الأملاك لهم وفارقها، ولا يرجع إليها أبدا.
وكان معاصرا للصاحب بن عبّاد، وزير مجد الدولة بن بويه، وكان الصاحب شديد الطلب له؛ حكي أن الصاحب أو غيره ظفر به ذات مرّة، وقد عرفوه واحترموا جانبه وأبو نصر انبسط معهم، وكان حاذقا بعلم الموسيقى فأخذ في بعض مجالسهم شيئا من الملاهي، وضرب ضربا فضحك القوم كلّهم، ثمّ ضرب ضربا فبكى القوم كلّهم، ثمّ ضرب ضربا فنام القوم كلّهم، ثمّ قام وفارقهم وهرب.
وقيل: ان الصاحب بن عبّاد كان بالري، فدخل عليه أبو نصر متنكّرا فما عرفه. وحكي أن أبا نصر كان في قفل يمشي في بلاد الشام، فوقع عليهم اللصوص فسلّم إليهم ماله وخيله فأبوا إلّا قتله، فنزل عن الدابّة وتستّر بالمجن، وكان حاذقا في الرمي، فقاتل حتى قتل في سنة أربعين وثلاثمائة.