قال مسعر بن المهلهل: أهل هذه المدينة كلّها من الكواكب، يعظّمون قلب الأسد، ولهم بيت رصد وحساب ومعرفة بعلم النجوم. وعمل الوهم في طباعهم إذا أرادوا حدوث حادث صرفوا همّتهم إليه، وما زالوا به حتى حدث.
حكي أن بعض ملوكهم بعث إلى بعض الأكاسرة هدايا فيها صندوقان مقفّلان، فلمّا فتحوهما كان في كلّ صندوق رجل، قيل: من أنتما؟ قالا:
نحن إذا أردنا شيئا صرفنا همّتنا إليه فيكون. فاستنكروا ذلك، فقالا: إذا كان للملك عدوّ لا يندفع بالسيف فنحن نصرف همّتنا إليه فيموت! فقالوا لهما:
اصرفا همّتكما إلى موتكما. قالا: اغلقوا علينا الباب. فأغلقوا ثمّ عادوا إليهما فوجدوهما ميتين، فندموا على ذلك وعلموا أن قولهما صحيح.
وبهذه المدينة شجرة الدارصيني وهي شجر حرّ لا مالك له.
وأهل هذه المدينة لا يذبحون الحيوان ولا يأكلون السمك ومأكولهم البرّ والبيض.
[جزيرة برطاييل]
جزيرة قريبة من جزائر الزانج، قال ابن الفقيه: سكّانها قوم وجوههم كالمجانّ المطرّقة، وشعورهم كأذناب البراذين، وبها الكركدن، وبها جبال يسمع منها باللّيل صوت الطبل والدفّ والصياح المزعجة، والبحريّون يقولون:
إن الدجّال فيها ومنها يخرج.
وبها القرنفل ومنها يجلب، وذلك أن التجّار ينزلون عليها ويضعون بضائعهم وأمتعتهم على الساحل، ويعودون إلى مراكبهم ويلبثون فيها، فإذا أصبحوا ذهبوا إلى أمتعتهم فيجدون إلى جانب كلّ شيء من البضاعة شيئا من القرنفل، فإن رضيه أخذه وترك البضاعة، وإن أخذوا البضاعة والقرنفل لم تقدر مراكبهم على السير حتى يردّوا أحدهما إلى مكانه، وإن طلب أحدهم الزيادة فترك البضاعة والقرنفل فيزاد له فيه.