موضع كان بأرض الروم. به مدن وقرى كثيرة، وإنّها منشأ الحكماء اليونانيّين، والآن استولى عليها الماء. من عجائبها أن من حفظ شيئا في تلك الأرض لا ينساه أو يبقى معه زمانا طويلا. وحكى التجار أنّهم إذا ركبوا البحر ووصلوا إلى ذلك الموضع يذكرون ما غاب عنهم. ولهذا نشأ بهذه الأرض الحكماء الفضلاء الذين لم يوجد أمتالهم في أرض أخرى إلّا نادرا.
ينسب إليها سقراط أستاذ أفلاطون، وكان حكيما زاهدا في الدنيا ونعيمها راغبا في الآخرة وسعادتها. دعا الناس إلى ذلك فأجابه جمع من أولاد الملوك وأكابر الناس، فاجتمعوا عليه يأخذون منه غرائب حكمته ونوادر كلامه. فحسده جمع فاتّهموه بمحبّة الصبيان، وذكروا أنّه يتهاون بعبادة الأصنام، ويدعو الناس إلى ذلك، وسعوا به إلى الملك وشهد عليه جمع بالزور عند قاضيهم، وحكم قاضيهم عليه بالقتل فحبس، وعنده في الحبس سبعون فيلسوفا من موافق ومخالف يناظرونه في بقاء النفس بعد مفارقة البدن، فصحّح رأيه في بقاء النفس. فقالوا له: هل لك أن نخلّصك عن القتل بفداء أو هرب؟ فقال: أخاف أن يقال لي لم هربت من حكمنا يا سقراط؟ فقالوا: تقول لأني كنت مظلوما! فقال:
أرأيتم أن يقال إن ظلّمك القاضي والعدول فكان من الواجب أن تظلمنا وتفرّ من حكمنا، فماذا يكون جوابي؟ وذاك أن القوم كان في شريعتهم أنّه إذا حكم عدلان على واحد يجب عليه الانقياد وان كان مظلوما، فلذلك انقاد سقراط للقتل، فازمعوا على قتله بالسمّ. فلمّا تناول السمّ ليشربه بكى من حوله من الحكماء حزنا على مفارقته. قال: إني وإن كنت أفارقكم إخوانا فضلاء فها أنا ذاهب إلى إخوان كرم حكماء فضلاء! وشرب السمّ وقضى نحبه.
وينسب إليها أفلاطون أستاذ أرسطاطاليس، فكان حكيما زاهدا في الدنيا ويقول بالتناسخ. فوقع في زمانه وباء أهلك من الناس خلقا كثيرا، فتضرّعوا إلى