الفصل الأوّل في تأثير البلاد في سكّانها؛ قالت الحكماء:
إن الأرض شرق وغرب وجنوب وشمال، فما تناهى في التشريق وتحجّ منه نور المطلع فهو مكروه لفرط حرارته وشدّة إحراقه، فإن الحيوان يحترق بها، والنبات لا ينبت، وما تناهى في التغريب أيضا مكروه لموازاته التشريق في المعنى الذي ذكرناه، وما تناهى في الشمال أيضا مكروه لما فيه من البرد الشديد الذي لا يعيش الحيوان معه، وما تناهى في الجنوب أيضا كذلك لفرط الحرارة، فإنّها أرض محترقة لدوام مسامتة الشمس إيّاها. فالذي يصلح للسكنى من الأرض قدر يسير هو أوساط الإقليم الثالث والرابع والخامس، وما سوى ذلك فأهلها معذّبون، والعذاب عادة لهم، وقالوا أيضا: المساكن الحارّة موسّعة للمسام، مرخية للقوى، مضعفة للحرارة العزيزيّة، محلّلة للروح، فتكون أبدان سكّانها متخلخلة ضعيفة، وقلوبهم خائفة، وقواهم ضعيفة لضعف هضمهم.
وأمّا المساكن الباردة فإنّها مصلبّة للبدن مسددة للمسام مقوية للحرارة العزيزيّة، فتكون أبدان سكّانها صلبة، وفيهم الشجاعة وجودة القوى والهضم الجيّد. فإن استيلاء البرد على ظاهر أبدانهم يوجب احتقان الحرارة العزيزيّة في باطنهم.
وأمّا المساكن الرطبة فلا يسخّن هواؤهم شديدا ولا يبرد شتاؤهم قويّا، وسكّانها موصوفون بالسحنة الجيّدة، ولين الجلود وسرعة قبول الكيفيّات والاسترخاء في الرياضات وكلال القوى.