للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهجرت لكثرة ما بها من الجرارات، فرأيت العليل طريحا بها لا يمكنه أن ينقلب من جنب إلى جنب ولا أن يتكلّم، فبات بها ليلة، فلمّا كان من الغد وجدوه جالسا يتكلّم فصيحا وقام ومشى. فقال له الطبيب: انتقل الآن من هذا المكان، فإنّه لذعتك واحدة ابرأتك وقام بحرارتها برد الفالج، فإن لذعتك أخرى تقتلك! فانتقل من هذا الموضع وصلح حاله.

عكّة

مدينة على ساحل بحر الشام من عمل الأردن، من أحسن بلاد الساحل في أيّامنا وأعمرها، وفي الحديث: طوبى لمن رأى عكّة! قال البشّاري: عكّة مدينة حصينة على البحر كبيرة، لم تكن على هذه الحصانة حتى قدمها ابن طولون وقد رأى مدينة صور واستدارة الحائط على مبناها، فأحبّ أن يتّخذ لعكّة مثل ذلك، فجمع صنّاع البلاد فقالوا: لا نهتدي إلى البناء في الماء، حتى ذكر عنده جدّي أبو بكر البنّاء، فأحضره وعرض عليه فاستهان ذلك وأمر بإحضار فلق من خشب الجمّيز غليظة، نصبها على وجه الماء بقدر الحصن البري، وبنى عليها الحجارة والشيد، وجعل كلّما بنى عليها خمس دوامس ربطها بأعمدة غلاظ ليشتدّ البناء، والفلق كلّما ثقلت نزلت حتى إذا علم أنّها استقرّت على الرمل تركها حولا حتى أخذت قرارها، ثمّ عاد فبنى عليها، وكلّما بلغ البناء إلى الحائط الذي قبله داخله فيه. وقد ترك لها بابا وجعل عليه قنطرة. فالمراكب في كلّ ليلة تدخل الميناء وتجرّ سلسلة بينها وبين البحر الأعظم مثل مدينة صور، فدفع ابن طولون إليه ألف دينار سوى الخلع والمراكب واسمه مكتوب على السور. ولم تزل في أيدي المسلمين حتى أخذها الفرنج في سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وكان عليها زهر الدولة الجيوشي من قبل المصريّين، فقاتل أهل عكّة حتى عجزوا. فأخذها الفرنج قهرا وقتلوا وسلبوا ولم تزل في أيديهم إلى زمن صلاح الدين، فافتتحها سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وشحنها بالسلاح

<<  <   >  >>