وينسب إليها عمرو بن عبيد. كان عالما زاهدا ورعا. كان بينه وبين السفّاح والمنصور قبل خلافتهما معرفة، وكانوا خائفين متواترين، وعمرو بن عبيد يعاودهما في قضاء حاجتهما. فلمّا صارت الخلافة إلى المنصور عصى عليه أهل البصرة، فجاء بنفسه بخراب البصرة. أهل البصرة تعلّقوا بعمرو بن عبيد وسألوه أن يشفع لهم، فركب حمارا وعليه نعلان من الخوص، وذهب إلى المنصور، فلمّا رآه أكرمه وقبل شفاعته وسأله أن يقبل منه مالا، فأبى قبول المال، فألحّ عليه المنصور فأبى، فحلف المنصور أن يقبله فحلف هو أن لا يقبله، وكان المهدي ابن المنصور حاضرا فقال: يا عمّ أيحلف الخليفة وتحلف أنت؟ فقال: نعم للخليفة ما يكفّر به يمينه وليس لعمّك ما يكفر به يمينه! وقام من عنده وخرج والمنصور يقول: كلّكم يمشي رويد، كلّكم يطلب صيد، غير عمرو بن عبيد!
وحكي أن رجلا قال له: فلان لم يزل يذكرك بالسوء! فقال: واللّه ما راعيت حقّ مجالسته حين نقلت إلي حديثه، ولا راعيت حقّي حين بلغتني عن أخي ما أكرهه! اعلم أن الموت يعمّنا والبعث يحشرنا والقيامة تجمعنا، واللّه يحكم بيننا! وحكي أنّه مرّ على قوم وقوف قال: ما وقوفكم؟ قالوا: السلطان يقطع يد سارق! قال: سارق العلانية يقطع يد سارق السرّ.
وينسب إليها القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني. كان إماما عالما فاضلا.
ولمّا سمع الشيخ أبو القاسم بن برهان كلام القاضي أبي بكر ومناظرته قال:
ما سمعت كلام أحد من الفقهاء والخطباء والبلغاء مثل هذا. وتعجّب من فصاحته وبلاغته وحسن تقريره. وزعم بعضهم أنّه هو المبعوث على رأس المائة الرابعة لتجديد أمر الدين، وله تصانيف كثيرة، وكان مشهورا بوفور العلم وحسن الجواب؛ حضر بعض محافل النظر وكان أشعريّ الاعتقاد، فقال ابن المعلم:
قد جاء الشيطان! وابن المعلم كان شيخ الشيعة فسمع القاضي أبو بكر ما قاله فقال:
ألم تر أنّا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزّهم أزّا؟
وحكي أن عضد الدولة أراد أن يبعث رسولا إلى الروم وقال: ان النصارى