ابن سام بن نوح، ﵇، بها مواضع لا تنبت الفواكه لشدّة بردها كرستاق إصطخر، وبها مواضع لا يسكنها الطير لشدّة حرّها كرستاق الاغرسان.
وأمّا أهلها فذكروا أنّهم من نسل فارس بن طهمورث، سكان الموضع الذي يسمّى ايرانشهر، وهو وسط الإقليم الثالث والرابع والخامس، ما بين نهر بلخ إلى منتهى آذربيجان وأرمينية إلى القادسية وإلى بحر فارس. وهذه الحدود هي صفوة الأراضي وأشرفها لتوسّطها في قلب الأقاليم، وبعدها عمّا يتأذّى به أهل المشرق والمغرب والجنوب والشمال، وأهلها أصحاب العقول الصحيحة والآراء الراجحة والأبدان السليمة والشمائل الظريفة والبراعة في كلّ صناعة، فلذلك تراهم أحسن الناس وجوها وأصحّهم أبدانا وأحسنهم ملبوسا وأعذبهم أخلاقا وأعرفهم بتدبير الأمور!
جاء في التواريخ: ان الفرس ملكوا أمر العالم أربعة آلاف سنة: كان أوّلهم كيومرث وآخرهم يزدجرد بن شهريار الذي قتل في وقعة عمر بن الخطّاب بمرو، فعمروا البلاد وأنعشوا العباد.
وجاء في الخبر: ان اللّه تعالى أوحى إلى داود أن يأمر قومه أن لا يسبّوا العجم، فإنّهم عمروا الدنيا وأوطنوها عبادي.
وحسن سيرة ملوك الفرس مدون في كتب العرب والعجم، ولا يخفى أن المدن العظام القديمة من بنائهم وأكثرها مسمّاة بأسمائهم. وأخبار عدلهم وإحسانهم في الدنيا سائرة، وآثار عماراتهم إلى الآن ظاهرة.
زعم الفرس أن فيهم عشرة أنفس لم يوجد في شيء من الأصناف مثلهم ولا في الفرس أيضا: أوّلهم افريدون بن كيقباذ بن جمشيد، ملك الأرض كلّها وملأها من العدل والإحسان بعدما كانت مملوءة من العسف والجور من ظلم الضحاك بيوراسب، وما أخذه الضحاك من أموال الناس ردّها إلى أصحابها، وما لم يجد له صاحبا وقفه على المساكين، وذكر بعض النسّاب أن افريدون هو ذو القرنين الذي ذكره اللّه تعالى في كتابه العزيز، لأنّه ملك المشرق والمغرب