وبها نهر النيل؛ قالوا: ليس على وجه الأرض نهر أطول من النيل لأن مسيره شهر في بلاد الإسلام، وشهران في بلاد النوبة، وأربعة أشهر في الخراب إلى أن يخرج ببلاد القمر خلف خطّ الاستواء. وليس في الدنيا نهر يصبّ من الجنوب إلى الشمال، ويمدّ في شدّة الحرّ عند انتقاص المياه والأنهار كلّها، ويزيد بترتيب وينقص بترتيب إلّا النيل.
قال القضاعي: من عجائب مصر النيل، جعله اللّه تعالى سقيا يزرع عليه ويستغنى عن المطر به في زمان القيظ، إذا نضبت المياه. وسبب مدّه ان اللّه تعالى يبعث ريح الشمال فيقلب عليه البحر الملح، فيصير كالسكر فيزيد حتى يعمّ الرّبى والعوالي ويجري في الخليج والمساقي، فإذا بلغ الحدّ الذي هو تمام الريّ وحضرت أيّام الحراثة، بعث اللّه ريح الجنوب فأخرجته إلى البحر الملح وانتفع الناس بما أروى من الأرض. ولهم مقياس ذكرنا قبل يعرفون به مقدار الزيادة ومقدار الكفاية.
قال القضاعي: أوّل من قاس النيل بمصر يوسف، ﵇، وبنى مقياسه بمنف، وذكر أن المسلمين لمّا فتحوا مصر جاء أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤونه من شهر القبط وقالوا: أيّها الأمير إن لبلدنا سنّة لا يجري النيل إلّا بها، وذلك انّه إذا كان لاثنتي عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثمّ ألقيناها في النيل ليجري. فقال لهم عمرو: إن هذا في الإسلام لا يكون، وإن الإسلام يهدم ما قبله! فأقاموا بؤونه وابيب ومسرى وهو لا يجري قليلا ولا كثيرا حتى همّ الناس بالجلاء. فلمّا رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطّاب، رصي اللّه عنه، بذلك، فكتب عمر إليه: قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما قبله! وقد بعثت إليك بطاقة فألقها في داخل النيل. وإذا في الكتاب: من عبد اللّه عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أمّا بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان اللّه الواحد القهّار هو الذي يجريك فنسأل اللّه الواحد القهّار أن يجريك! فألقى