ولصنّاعها يد باسطة في تدقيق الصناعات، لا ترى خطوطا كخطوط أهل أصفهان ولا تزويقا كتزويقهم، وهكذا صنّاعهم في كلّ فنّ فاقوا جميع الصّنّاع، حتى أن نسّاجها ينسج خمارا من القطن أربعة أذرع وزنها أربعة مثاقيل. والفخّار يعمل كوزا وزنه أربعة مثاقيل يسع ثمانية أرطال ماء، وقس على هذا جميع صناعاتهم.
وأمّا أرباب العلوم كالفقهاء والأدباء والمنجّمين والأطباء فأكثر من أهل كلّ مدينة، سيما فحول الشعراء أصحاب الدواوين، فاقوا غيرهم بلطافة الكلام وحسن المعاني وعجيب التشبيه وبديع الاقتراح، مثل رفيع فارسي دبير وكمال زياد وشرف شفروه وعزّ شفروه وجمال عبد الرزّاق وكمال إسماعيل ويمن مكّي. فهؤلاء أصحاب الدواوين الكبار لا نظير لهم في غير أصفهان.
وينسب إليها الأديب الفاضل أبو الفرج الأصفهاني، صاحب كتاب الأغاني، ذكر في ذلك أخبار العرب وعجائبها وأحسن أشعارهم. كتاب في غاية الحسن كثير الفوائد لم يسبقه في ذلك أحد.
وينسب إليها الأستاذ أبو بكر بن فورك، كان أشعريّا لا تأخذه في اللّه لومة لائم، درّس ببغداد مدّة. وكان جامعا لأنواع العلوم، صنّف أكثر من مائة مجلّد في الفقه والتفسير وأصول الدين. ثمّ ورد نيسابور فبنوا له دارا ومدرسة؛ قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: حكى أبو بكر بن فورك قال: حملت إلى شيراز مقيّدا لفتنة في الدين، فوافينا البلد ليلا فلمّا أسفر النهار ورأيت في مسجد على محرابه مكتوبا: أليس اللّه بكاف عبده؟ فعلمت أن الأمر سهل وطبت به نفسا، وكان الأمر كذلك، ثمّ دعي إلى غزنة وجرت له بها مناظرات مع الكرامية. فلمّا عاد سمّ في الطريق ودرج ودفن بنيسابور، ومشهده ظاهر بها يستسقى به ويجاب الدعاء فيه.
وينسب إليها الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، واحد عصره وفريد دهره.
هو صاحب حلية الأولياء، وله تصانيف كثيرة، وله كرامات: حكي أن أهل