يسفي عليها الصّبا! فقالوا لها: فجعتنا بأموالنا فبيّني مقالتك! فقالت: انطلقوا إلى رأس الوادي لتروا الجرذ العادي يجرّ كلّ صخرة صيخاد بأنياب حداد وأظفار شداد! فانطلق عمران في نفر من قومه حتى أشرفوا على السدّ، فإذا هم بجرذ أحمر فيقلع الحجر الذي لا يستقلّه رجال ويدفعه بمخاليب رجليه إلى ما يلي البحر ليفتح السدّ.
فلمّا رأى عمران ذلك علم صدق قول الكاهنة فقال لأهله: اكتموا هذا القول من بني عمّكم بني حمير لعلّنا نبيع حدائقنا منهم ونرحل عن هذه الأرض، ثمّ قال لابن أخيه حارثة: إذا كان الغد واجتمع الناس أقول لك قولا خالفني، وإذا شتمتك ردّها عليّ، وإذا ضربتك فاضربني مثله! فقال: يا عم كيف ذلك؟ فقال عمران: لا تخالف فإن مصلحتنا في هذا.
فلمّا كان الغد واجتمع عند عمران أشراف قومه وعظماء حمير ووجوه رعيّته، أمر حارثة أمرا فعصاه فضربه بمخصرة كانت بيده، فوثب حارثة عليه واطمه، فأظهر عمران الغضب وأمر بقتل ابن أخيه فوقع في حقّه الشفاعات.
فلمّا أمسك عن قتله حلف أن لا يقيم في أرض امتهن بها، وقال وجوه قومه:
ولا نقيم بعدك يوما! فعرضوا ضياعهم على البيع واشتراها بنو حمير بأعلى الأثمان، فارتحل عن أرض اليمن فجاء السيل بعد رحيلهم بمدّة يسيرة، وخربت البلاد كما قال تعالى: فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل. فتفرّقوا في البلاد، ويضرب بهم المثل فيقال: تفرّقوا أيادي سبا.
وكانوا عشرة أبطن: ستّة تيامنوا وهم كندة والأشعريون والأزد ومذحج وانمار وحمير، وأربعة تشاءموا وهم عامرة وجذام ولخم وغسّان. وكانت هذه الواقعة بين مبعث عيسى ونبيّنا، صلّى اللّه عليهما وسلّم.