واختار أرض طبرستان، وهي يومئذ جبال وأشجار، فأرادوا قطع الأشجار فطلبوا فؤوسا والفأس بالعجميّة تبر، فكثرت بها الفؤوس فقالوا: طبرستان، وطبر معرب تبر. وقالوا: كانت أيمانهم مغلولة فكانوا يعملون بشمالهم، فلهذا ترى فيها أكثرهم عسرا. ونفوا الفواجر أيضا إليها فتزوّجوا بهنّ، فلهذا قلّة الغيرة بينهم. وأكثرهم يتعانون تربية دود القزّ فيرتفع منها الإبريسم الكثير ويحمل إلى سائر البلاد.
وبها الخشب الخلنج، يتّخذ منه الظروف والآلات والأطباق والقصاع ثمّ يحمل إلى الري، وصناع بلد الري يجعلونه في الخرط مرّة أخرى حتى يبقى لطيفا ويزوّقونه، ومن الري يحمل إلى سائر البلاد، ومن هذا الخشب تتّخذ النشاشيب الجيّدة. وبها المآزر والمناديل الرفيعة الطبرية تحمل منها إلى سائر البلاد، وكذلك الثياب الابريسمية والأكسية والصوف.
وبها شجر إذا ألقيت شيئا من خشبها في الماء يموت ما فيه من السمك وتطفو.
وبها جبل طارق؛ قال أبو الريحان الخوارزمي: بطبرستان جبل فيه مغارة فيها دكّة تعرف بدكّان سليمان بن داود، ﵇، إذا لطخت بشيء من الأقذار انفتحت السماء ومطرت حتى تزيل الأقذار منها؛ وهذا في الآثار الباقية من تصانيف أبي الريحان الخوارزمي. وقال صاحب تحفة الغرائب: بها حشيش يسمّى جوز ماثل من قطعه ضاحكا وأكله غلب عليه الضحك، ومن قطعه باكيا وأكله في تلك الحالة يغلب عليه البكاء، ومن قطعه راقصا وأكله كذلك على كلّ حال قطعه وأكله تعلب عليه تلك الحالة.
حكى أبو الريحان الخوارزمي أن أهل طبرستان أجدبوا في أيّام الحسن ابن زيد العلوي، فخرجوا للاستسقاء فما فرغوا من دعائهم حتى وقع الحريق في أطراف البلد، وبيوتهم من الخشب اليابس، فقال أبو عمر في ذلك:
خرجوا يسألون صوب غمام … فأجيبوا بصيّب من حريق!
جاءهم ضدّ ما تمنّوه إذ … جاءت قلوب محشوّة بالفسوق!