للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلو كانت العساكر ثمانمائة ألف لكانت السند والهند والصين ومصر والبربر والحبشة والروم أيضاً في طاعتنا. ثم ان السلطان ان أثبت سبعين ألفاً وأسقط ثلاثمائة وثلاثين ألفاً، فالساقطون ليسوا أصحاب حرف يشتغلون بصنعتهم، يجتمعون على يد واحد، ويدخلون تحت طاعته، فنشأ من ذلك فساد عظيم ويكون الخصم في ثلاثمائة وثلاثين ألفاً ونحن في سبعين ألفاً، فتمشي الأموال وتهلك، ويكون ذلك نتيجة نصيحة هذا الناصح الذي ينصح بجمع الأموال وتفريق الرجال.

وحكي انه كان شديد التعصب على الباطنية، وقد خرج من أصفهان وبه عقابيل المرض في العمارية. فلما وصل إلى قرية من قرى نهاوند يقال لها قيدسجان، تعرض له رجل ونادى: مظلوم! مظلوم! فقال الوزير: ابصروا ما ظلامته. فقال: معي رقعة أريد أسلمها إلى الوزير! فلما دنا منه وثب عليه وضربه بالسكين، وكانت ليلة الجمعة الحادي والعشرين من رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة، فحمل إلى أصفهان ودفن في مدرسته.

وينسب إليها الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي. لم تر العيون مثله لساناً وبياناً وخاطراً وذكاء وعلماً وعملاً. فاق أقرانه من تلامذة إمام الحرمين، وصار في أيام إمام الحرمين مفيداً مصنفاً، وإمام الحرمين يظهر التبجح به. وكان مجلس نظام الملك مجمع الفضلاء، فوقع لأبي حامد في مجلسه ملاقاة الفحول ومناظرة الخصوم في فنون العلوم، فأقبل نظام الملك عليه وانتشر ذكره في الآفاق، فرسم له تدريس المدرسة النظامية ببغداد، وصنف كتباً لم يصنف مثلها، ثم حج وترك الدنيا واختار الزهد والعبادة، وبالغ في تهذيب الأخلاق ودخل بلاد الشام، وصنف كتباً لم يسبق إلى مثلها كإحياء علوم الدين، ثم عاد إلى خراسان مواظباً على العبادات إلى أن انتقل إلى جوار الحق بطوس سنة خمس وخمسمائة عن أربع وخمسين سنة. قيل: ان تصانيفه وزعت على أيام عمره فأصاب كل يوم كراس.

<<  <   >  >>