للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غائبا، فرأتها أزواج كسرى وولائده، علمن أن كسرى يختارها عليهن، فأخذهن من الغيرة ما يأخذ الضرّات، فاخترن لها أرضا سبخة وهواء رديّا وقلن:

ان الملك أمرنا أن نبني لك هاهنا قصرا. وهي موضع قصر شيرين على طرف نهر عذب الماء.

وحكي أن شيرين كانت تحبّ اللبن الحليب، وكان القصر بعيدا عن مرعى المواشي، فإلى أن حمل إلى القصر زالت سخونته، فطلبوا الحيلة في ذلك فاتّفق رأيهم على أن يتّخذوا جدولا حجريّا من المرعى إلى القصر، فطلبوا صانعا يعمل ذلك، فدلّوا على صانع اسمه فرهاذ، فطلبت اتّخاذ جدول مسافته فرسخان من المرعى إلى القصر على أن يأتي اللبن منها إلى القصر بسخونته، وكان القصر على نشز من الأرض والمرعى في منحدر، فاتّخذ حائطا طوله أكثر من فرسخين وارتفاعه عند المرعى عشرون ذراعا، وعند القصر مساويا لأرضه، وركب على الحائط جدولا حجريّا، وغطّى رأسه بالصفائح الحجريّة، واتّخذ عند المرعى حوضا كبيرا، وفي القصر أيضا مثله، وهذا كلّه باق إلى زماننا، رأيته عند اجتيازي به لا شكّ في شيء منه.

وذكر محمّد الهمذاني انّه كان سبب بناء قصر شيرين، وهو أحد عجائب الدنيا، أن كسرى أبرويز، وكان مقامه بقرميسين، أمر أن يبنى له باغ فرسخين في فرسخين، وأن يجعل فيه من الطيور والوحوش حتى تتناسل فيه، ووكّل بذلك ألف رجل أجرى عليهم الرزق حتى عملوا فيه سبع سنين. فلمّا تمّ نظر إليه الملك وأعجبه، وأمر للصنّاع بمال. فقال في بعض الأيّام لشيرين: سليني حاجة، فقالت: أريد أن تبني لي قصرا في هذا البستان لم يكن في ملكك لأحد مثله، وتجعل فيه نهرا من حجارة يجري فيه الخمر! فأجابها إلى ذلك ونسي، ولم تجسر شيرين على أن تذكره به، فقالت للبلهبد المار ذكره: حاجتي في غناء، ولك ضيعتي التي بأصفهان! فأجابها إلى ذلك وعمل شعرا وصوتا في ذلك. فلمّا سمع كسرى قال له: لقد ذكرتني حاجة شيرين. فأمر ببناء القصر وعمل النهر،

<<  <   >  >>