للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحكي أنه كان بينه وبين بعض الأمراء صداقة، فتعاهدا على أن من مات منهما أولاً فصاحبه يحمله إلى البقيع، فمات الجمال الموصلي أولاً في سنة خمسين وخمسمائة. فاشترى ذلك الأمير جمالاً كثيرة. وعين قوماً من الصلحاء وأقواماً من المقرئين، وأموالاً للصدقة عنه في كل منزل، وقال: الجمال الموصلي لا يبعث إلى البقيع إلا هكذا. ودفنه بالبقيع بهذا الاحترام.

وينسب إليها الشيخ كمال الدين بن يونس. كان جامعاً لفنون العلوم عديم النظير في زمانه، في أي فن باحثته فكأنه صاحب ذلك الفن من المنقول والمعقول. وأما فن الرياضيات فكان فيه منفرداً. ومن عجيب ما رأيت منه أن الفرنج في زمن الملك الكامل بعثوا إلى الشام مسائل ارادوا جوابها: منها طبية، ومنها حكمية، ومنها رياضية. أما الطبية والحكمية فأجاب عنها أهل الشام، والهندسية عجزوا عنها. والملك الكامل أراد أن يبعث جواب الكل، فبعثوا إلى الموصل إلى المفضل ابن عمر الأبهري أستاذنا، وكان عديم النظير في علم الهندسة، فأشكل الجواب عليه، فعرضه على الشيخ ابن يونس، فتفكر فيه وأجاب عنه، والمسألة هذه نريد أن تبين قوساً أخرجنا لها وتراً، والوتر أخرج من الدائرة عملنا عليه مربعاً، تكون مساحة المقوس كمساحة المربع، هذه صورتها: فكتب برهانه المفضل وجعله رسالة بعث بها إلى الشام إلى الملك الكامل، فلما مشيت إلى الشام رأيت فضلاء الشام يتعجبون من تلك الرسالة، ويثنون على استخراج ذلك البرهان، فإنه كان نادر الزمان.

وينسب إليها الشيخ فتح الموصلي. كان الغالب عليه الخوف والبكاء، وفي أكثر أوقاته كان باكياً. فلما توفي رئي في المنام، قيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفني بين يديه وقال: ما الذي أبكاك؟ فقلت: يا رب الخجالة من ذنوبي! فقال: وعزتي وجلالي، أمرت ملك الذنوب أن لا يكتب عليك أربعين سنة لبكائك من هيبتي!

<<  <   >  >>