سمع قائلا يقول: ان راعي فلان أيضا تبعهم. فلمّا سمع ذلك فزع وترك استتمام ما أراد شراءه، وخرج من المدينة مبادرا حتى وافى أصحابه فأخبرهم بما كان من أمره. فأكلوا طعامهم وأخذوا مضاجعهم فضرب اللّه على آذانهم.
فلمّا رجع الملك أخبروه بهربهم، فخرج يقفو آثارهم حتى انتهى إلى باب الكهف ووقف على أمرهم فقال: يكفيهم من العذاب أن ماتوا جوعا! فأهلك اللّه دقيانوس وأنزل على باب الكهف صخرة وبعث إلى أهل ذلك العصر ثلاثة عشر نبيّا، فدعوا الناس إلى التوحيد، فأجابهم إلى ذلك خلق كثير، وكان الملك الذي أحيا اللّه الفتية في أيّامه موحّدا. فلمّا كانت السنة التي أراد اللّه فيها احياء الفتية، انطلق رجل من أهل المدينة وأقام بذلك المكان يرعى غنمه، فأراد أن يتّخذ لغنمه حظيرة فأمر أعوانه بتنحية الصخرة التي كانت على باب الكهف، فعند ذلك قام الفتية كمن يبيت ليلة صافية الألوان نقية الثياب، ورأوا كلبهم باسطا ذراعيه بالوصيد، وكان ذلك بعد ثلاثمائة سنة بحساب الروم، وزيادة تسع بحساب العرب، لأن حساب الروم شمسيّة وحساب العرب قمريّة، يتفاوت في كلّ مائة سنة ثلاث سنين.
وكان انتباههم آخر النهار ودخولهم أوّل النهار، فقال بعضهم لبعض: كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم! لأنّهم رأوا الشمس غير غاربة فقالوا بعض يوم، فلمّا نظروا إلى طول شعورهم وأظافيرهم قالوا: ربّكم اعلم بما لبثتم. فقالوا للراعي: إنّك أتيت البارحة بطعام قليل لم يكفنا، فخذ شيئا من هذا الورق وانطلق إلى المدينة واشتر لنا طعاما! فانطلق خائفا حتى أتى باب المدينة وقد أزيل عنه الصنم، ثمّ دخل المدينة وجعل يتصفّح وجوه الناس فما كان يعرف أحدا.
فانتهى إلى سوق الطعام ودفع إليه الورق فردّه عليه وقال: هذا عتيق لا يروح اليوم! فناوله ما كان معه وقال: خذ حاجتك منها. فلمّا رأى صاحب الطعام ذلك همس إلى جاره وقال: احسب ان هذا قد وجد كنزا! فلمّا رآهما يتهامسان ظنّ أنّهما عرفاه فترك الدراهم وولى هاربا، فصاح به الناس أن خذوه فإنّه