عليّ زمانا فإن داويت مرضي فأنا أولى من غيري، وإلّا فافعلوا ما شئتم! فذهب إلى بلاد الشام ليتداوى بحمة كانت بها، فرأى الملّة النصرانيّة قد ظهرت بها، فأخذ جمعا من القسوس والرهابين ورجع بهم إلى الروم، ودعا الناس إلى الملّة النصرانيّة ولم يزل يجيب قوم بعد قوم حتى صاروا أمّة واحدة.
وحكي عن أهل الروم أنّهم يتّخذون صور الملوك والحكماء والرهابين يستأنسون بها بعد موتهم. ولهم في التصوير يد باسطة حتى يصوّرون صورة الإنسان ضاحكا وباكيا، وصورته مسرورا وصورته حزينا.
وحكي أن مصوّرا دخل بلدا ليلا ونزل بقوم فضيّفوه، فلمّا سكر قال:
إني صاحب مال ومعي كذا وكذا دينارا، فسقوه حتى طفح وأخذوا ما كان معه وحملوه إلى موضع بعيد منهم. فلمّا أصبح، وكان غريبا لم يعرف القوم ولا المكان، ذهب إلى وإلي المدينة وشكا فقال له الوالي: هل تعرف القوم؟ قال: لا. قال:
هل تعرف المكان؟ قال: لا. قال: فكيف السبيل إلى ذلك؟ فقال الرجل:
إني أصوّر صورة الرجل وصورة أهله فاعرضها على الناس لعلّ أحدا يعرفهم! ففعل ذلك وعرض الوالي على الناس، فقالوا: انّها صورة فلان الحمامي وأهله.
فأمر بإحضاره فإذا هو صاحبه فاستردّ منه المال.
ويقام بالروم سوق كلّ سنة أوّل الربيع أربعين يوما يقال لذلك السوق «بيله» يأتيها الناس من الأطراف البعيدة من الشرق والغرب والجنوب والشمال.
والتجار يجهدون غاية جهدهم حتى يدركوا ذلك السوق، فمتاع أهل الشرق يشتريه أهل المغرب وبالعكس، ومتاع أهل الشمال يشتريه أهل الجنوب وبالعكس.
ويقع فيه من المماليك والجواري التركية والرومية، ومن الخيل والبغال الحسنة، ومن الثياب الأطلس، ومن السقلّاط ومن الفراء الفندر وكلب الماء والبرطاس، ويدلسون تدليسات عجيبة. ومن عادة هذا السوق ان من اشترى شيئا فلا يردّه البتّة؛ وحكي أن بعض التجّار اشترى مملوكا حسن الصورة بثمن بالغ، فلمّا غاب عنه بائعه وجده جارية مستحسنة!