فلمّا هلك تبّع بن أبي مالك أراد أن يأخذ بثأر جدّه، فسار نحو الصين، فلمّا وصل إلى سمرقند وجدها خرابا فأمر بعمارتها وردّها إلى ما كانت وأحسن منها. فلمّا كان زمن الإسكندر وجدها موضعا شريفا فبالغ في عمارتها، وبنى لها سورا محيطا بها استدارته اثنا عشر فرسخا، فيها بساتين ومزارع وارحاء، ولها اثنا عشر بابا من الباب إلى الباب فرسخ، وعلى أعلى السور آزاج وأبرجة للحرب. وإذا جزت المزارع جزت إلى الربض وفيه أبنية وأسواق.
وبها الجامع والقهندز ومسكن السلطان. وفي المدينة الداخلة نهر من رصاص يجري على مسنّاة عالية من حجر، ويدخل المدينة من باب كشّ، وأكثر دروبها ودورها فيها الماء الجاري، ولا تخلو دار من بستان حتى لو صعدت قهندزها لا ترى أبنية المدينة لاستتارها بالبساتين والأشجار. وأمّا داخل سور المدينة الكبيرة ففيه أودية وأنهار وعيون وجبال. وبسمرقند أشياء ظريفة تنقل إلى سائر البلاد: منها الكاغد السمرقندي الذي لا يوجد مثله إلّا بالصين؛ وحكى صاحب الممالك والمسالك انّه دفع من الصين إلى سمرقند سبي، وكان فيهم من يعرف صنعة الكاغد، فاتّخذها ثمّ كثرت حتى صارت متجرا لأهل سمرقند، فمنها تحمل إلى سائر البلاد.
بها جبل قال صاحب تحفة الغرائب: في هذا الجبل غار يتقاطر منه الماء في الصيف، ينعقد من ذلك الماء الجمد، وفي الشتاء من غمس يده فيه يحترق.
ينسب إليها الإمام الفاضل البارع ركن الدين العميدي أعجوبة الزمان، انتشر صيته في الآفاق وفاق كلّ مناظر بالطبع السليم والذهن المستقيم. قال أستاذنا أثير الدين المفضل بن عمر الأبهري: ما رأيت مناظرا مثل العميدي في فصاحة الكلام وبلاغة المعاني، وحسن التقرير وتنقيح البيان!
وحكي أن زين الدين عبد الرحمن الكشّي، وكان من فحول العلماء، استدلّ في محفل، وكان العميدي حاضرا فصبّ عليه من الملازمات حتى بهره فقال الكشّيّ: