وبها الأحقاف وهي الآن تلال من الرمل بين عدن وحضر موت، وكانت مساكن عاد أعمر بلاد اللّه وأكثرها عمارة وزرعا وشجرا، فلمّا سلّط اللّه تعالى عليهم الريح طمّها بالرمل، وهي إلى الآن تحت تلك الأحقاف، جعلها اللّه تعالى عبرة للناظرين وخبرة للغابرين، كما قال تعالى: أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، كانوا أكثر منهم وأشدّ قوّة، وأثاروا الأرض وعمروها أكثر ممّا عمروها.
وبها قصران من قصور عاد، ولمّا بعث معاوية عبد الرحمن بن الحكم إلى اليمن واليا، بلغه أن بساحل عدن قصرين من قصور عاد وان في بحرها كنزا، فطمع فيه وذهب في مائة فارس إلى ساحل عدن إلى أقرب القصرين فرأى ما حولهما من الأرض سباخا بها آثار الآبار، ورأى قصرا مبنيّا بالصخر والكلس، وعلى بعض أبوابه صخرة عظيمة بيضاء مكتوب عليها:
غنينا زمانا في عراضة ذا القصر … بعيش رخيّ غير ضنك ولا نزر
يفيض علينا البحر بالمدّ زاخرا … وأنهارنا بالماء مترعة تجري
خلال نخيل باسقات نواضر … تأنّق بالقسب المجزّع والتّمر
ونصطاد صيد البرّ بالخيل والقنا … وطورا نصيد النّون من لجج البحر
ونرفل في الخزّ المرقّم تارة … وفي القزّ أحيانا وفي الحلل الحضر
يلينا ملوك يبعدون عن الحنا … شديد على أهل الخيانة والغدر
يقيم لنا من دين هود شرائعا … ويؤمن بالآيات والبعث والنّشر
إذا ما عدوّ حلّ أرضا يريدنا … برزنا جميعا بالمثقّفة السّمر
نحامي على أولادنا ونسائنا … على الشّهب والكمت المعانيق والشّقر
نقارح من يبغي علينا ويعتدي … بأسيافنا حتى يولّون بالدّبر
ثمّ مضى إلى القصر الآخر وبينهما أربعة فراسخ، فرأى حوله آثار الجنان