للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إياها؟ قلت: هات، قال: قال الله عز وجل: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ

[١] وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يعرف، فقلت: إنما كلّم الله العرب على قدر كلامهم؛ أما سمعت قول امرىء القيس:

أيقتلنى والمشرفىّ مضاجعى ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال [٢]

وهم لم يروا الغول قط؛ ولكنه لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به. فاستحسن الفضل ذلك، واستحسنه السائل، واعتقدت من ذلك اليوم أن أضع كتابا فى القرآن لمثل هذا وأشباهه، ولما يحتاج إليه من علمه، ولمّا رجعت إلى البصرة عملت كتابى الذى سميته المجاز وسألت عن الرجل فقيل لى: هو من كتّاب الوزير وجلسائه؛ يقال له إبراهيم بن إسماعيل بن داود الكاتب العبرتانىّ [٣].

وبلغ أبا عبيدة أن الأصمعىّ يعيب عليه تأليفه كتاب المجاز فقال: يتكلّم فى كتاب الله تعالى برأيه، فسأل عن مجلس الأصمعىّ فى أى يوم هو، فركب حماره فى ذلك اليوم، ومرّ بحلقة الأصمعىّ، فنزل عن حماره وسلم عليه وجلس عنده وحادثه ثم قال له:

يا أبا سعيد، ما تقول فى الخبز، أىّ شىء هو؟ قال: هو الذى نأكله ونخبزه.

قال أبو عبيدة: قد فسّرت كتاب الله برأيك؛ فإن الله قال: أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً

[٤]، فقال الأصمعىّ: هذا شىء بان لى فقلته؛ لم أفسّره برأى. فقال أبو عبيدة:

والذى تعيب علينا كلّه شىء بان لنا فقلناه، ولم نفسّره برأينا، وقام فركب حماره وانصرف.


[١] سورة الصافات آية ٦٥.
[٢] ديوانه ص ٦٠.
[٣] منسوب إلى عبرتا، وهى قريبة من أعمال بغداد.
[٤] سورة يوسف آية ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>