فبلغت سليمان فأقامته وأقعدته، وكتب إلى الخليل يعتذر، وأضعف جائزته، فقال الخليل:
وزلّة يكثر الشيطان إن ذكرت ... منها التعجّب جاءت من سليمانا
لا تعجبنّ لخير زلّ عن يده ... فالكوكب النّحس يسقى الأرض أحيانا
وأنشد له المبرّد فى معناه:
صلب الهجاء على امرئ من قومنا ... إذ حاد عن سنن السبيل وحادا
أعطى قليلا ثم أقلع نادما ... ولربّما غلط البخيل فجادا
وقال النّضر بن شميل: أقام الخليل فى خصّ «١» من أخصاص البصرة، لا يقدر على فلس، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال؛ ولقد سمعته يقول: إنى لأغلق علىّ بابى، فما تجاوزه همّتى.
وقال وهب بن جرير: كان الخليل بن أحمد يكثر إنشاد بيت الأخطل «٢»:
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال
وقيل: لم يكن بعد الصّحابة أذكى من الخليل، ولا أجمع لعلم العرب.
واجتمع الخليل وابن المقفّع ليلة بطولها يتذاكران وافترقا؛ فسئل الخليل عن ابن المقفع، فقال: رأيت رجلا علمه أكثر من عقله، وقيل لابن المقفع: كيف رأيت الخليل؟ فقال: رأيت رجلا عقله أكثر من علمه.
وللخليل- رحمه الله- أخبار صالحة، ونوادر مفيدة، لا يسوغ استيفاؤها فى هذا الموضع.