تلجلج مضغة فيها أنيض ... أصلّت فهى فوق الكشح داء «١»
غصصت بنيئها فبشمت عنها ... وعندى لو طلبت «٢» لها دواء
فقال الأحمر للأصمعىّ: ما يتعرض لك فى اللغة إلّا مجنون.
وكان الأحمر هذا فى أوّل أمره من الجند، من رجالة النوبة على باب الرشيد، وكان يحب علم العربية ولا يقدر على مجالس الكسائى إلا فى أيام غير نوبته، وكان يرصد مصير الكسائىّ إلى دار الرشيد، ويعرض له فى طريقه كل يوم؛ فإذا أقبل تلقّاه وأخذ بردائه حتى ينزل، ثم أخذ بيده وماشاه إلى أن يبلغ إلى الستر، وسأله فى طريقه عن المسألة بعد المسألة، فإذا دخل الكسائىّ رجع إلى موضعه، فإذا خرج الكسائى من الدار تلقاه إلى الستر، وأخذ بيده فماشاه، وسأله حتى يركب ويتجاوز الموضع، ثم ينصرف إلى مكانه. ولم يزل كذلك يتعلم المسألة بعد المسألة حتى قوى وتمكن.
وكان فطنا حريصا، فلما أصاب الكسائىّ الوصح «٣» فى وجهه وبدنه كره الرشيد ملازمته أولاده، وأمره أن يرتاد لهم من ينوب عنه ممن يرتضى به. وقال له:
إنك قد كبرت، ونحن نحبّ أن نريحك؛ لسنا نقطع عنك جاريك «٤»، فجعل يدافع بذلك، وينوى أن يأتيهم برجل فيغلب على موضعه. إلى أن ضيق عليه الأمر وشدد وقيل له: إن لم تأتنا أنت من أصحابك برجل ارتدنا لهم من يصلح- وكان قد بلغه أن سيبويه يريد الشخوص إلى بغداذ والأخفش- فقلق لذلك، وأراد أن يدخل إليهم من لا يخشى عاقبته، فقال للأحمر: هل فيك خير؟ قال: نعم،