وذكر لى أحد نقلة العلم مذاكرة: أن مشايخ الأدب باليمن يذكرون أنّ أبا العلاء كان يحفظ ما يمرّ بسمعه، وكان عنده من الطلبة من يطالع له التصانيف الأدبية، لغة وشعرا وغير ذلك، وكان لا يكاد ينسى شيئا مما يمرّ بسمعه.
ويذكرون أن رجلا منهم وقع إليه كتاب فى اللغة، سقط أوّله، وأعجبه جمعه وترتيبه، فكان يحمله معه ويحجّ، فإذا اجتمع بمن فيه أدب أراه إياه، وسأله عن اسمه، واسم مصنّفه، فلا يجد أحدا يخبره بأمره، واتفق أن وجد من يعلم حال أبى العلاء، فدلّه عليه. فخرج الرجل بالكتاب إلى الشام، ووصل إلى المعرّة، واجتمع بأبى العلاء، وعرّفه ما حاله، وأحضر الكتاب، وهو مقطوع الأوّل. فقال له أبو العلاء: اقرأ منه شيئا. فقرأه عليه. فقال له أبو العلاء: هذا الكتاب اسمه كذا، ومصنّفه فلان، ثم قرأ عليه من أوّل الكتاب إلى أن وصل إلى ما هو عند الرجل، فنقل عنه النقص، وأكمل عليه تصحيح النّسخة، وانفصل إلى اليمن، فأخبر الأدباء بذلك.
وقد قيل إن هذا الكتاب هو ديوان الأدب للفارابىّ «١» اللغوىّ، وهو مضبوط على أوزان الأفعال، ومصنّفه كان يسكن ما وراء النهر. ويقال: إنه خال الجوهرىّ، مصنف كتاب الصحاح. وقيل إن الجوهرىّ خاله، والأوّل أشبه. والله أعلم.
وقرأت على نسخة من هذا الكتاب وردت من ترمذ، «٢» بخط خطيب ترمذ، أن الفارابىّ مصنفه مات فى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة «٣». وأهل اليمن يهمون «٤» فيه،