للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت هذه الجارية قد جفته، فقال: قد حضرنى شىء فاكتبه، فكتبته وهو قوله:

قايست بين جمالها وفعالها ... فإذا الملاحة والخيانة لا تفى

[حلفت لنا ألّا تخون عهودنا ... فكأنما حلفت لنا ألّا تفى [١]]

والله لا كلّمتها ولو انها ... كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفى [٢]

قال: ومرّ لهذا زمن طويل. وكان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن زنجى [٣] الكاتب يهوى قينة، فكان يدعوها كلّ جمعة. وكان لا يحتشم أن يحدّث أبا العباس أحمد بن محمد بن الفرات بحديثه معها، فحدّثنى زنجى أنه غدا يوم سبت إليه، فقال له أبو العباس: ما كان خبرك مع صاحبتك أمس؟ قال: فحدّثته باجتماعنا. قال:

فما كان صوتك عليها؛ فقلت: كان:

قايست بين جمالها وفعالها

وأنشدته بيتى ابن السرّاج. فقال: هما لمن؟ فقلت لعبد الله بن المعتز. وركب إلى القاسم بن عبيد الله وأنشده البيتين، وصار معه إلى بعض الطريق فانصرف إلى ديوانه، فلما علم أنه قد قرب انصرافه خرج فتلقاه، فحدّثه أنه أنشد المكتفى البيتين، وأنه سأله عن قائلهما فقال: هما لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر. قال:

فأمرنى المكتفى أن أحمل إليه ألف دينار. قال: فقلت: إنما أنشدتك هذا على أنه لعبد الله بن المعتز، فصرفته إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر. فقال: والله ما ظننت إلا ما ذكرته لك، وهذا رزق قد رزقه الله إياه وأنفذه إليه.


[١] من ابن خلكان.
[٢] قال ابن خلكان: «وجدت هذه الأبيات له؛ ولها قصة عجيبة؛ وهى أن أبا بكر المذكور كان يهوى جارية فجفته، فاتفق وصول الإمام المكتفى فى تلك الأيام من الرقة، فاجتمع الناس لرؤيته، فلما رآه أبو بكر استحسنه وأنشد لأصحابه الأبيات المذكورة».
[٣] فى طبقات الزبيدى: «يحيى»، وهو تصحيف، ويحدث عنه الصابى كثيرا فى تاريخ الوزراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>