قال زنجىّ: فلما انصرف أبو العباس حدّثنى بالحديث وقال: خذ هذه الألف دينار وسربها إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وقل: هذا رزق رزقك إياه من حيث لم تحتسب. فأوصلته إليه، فشكر الله عز وجل، وشكر أبا العباس.
فقلت أنا لزنجىّ: ما رأيت أعجب من هذا! يعمل هذا الشعر محمد بن السراج النحوىّ؛ ويكون سببا لرزق عبيد الله بن عبد الله بن طاهر! فعجب من ذلك؛ وهو مما يعجب منه فى أسباب الرزق.
قال: وأنشدنى ابن السراج لنفسه لما حضر ابن يانس [١] المغنى- وكان من أحسن الناس وجها، وكان قد علق به وهويه-:
يا قمرا جدّر لما استوى ... فزادنى حزنا وزادت همومى
أظنه غنّى لشمس الضحى ... فنقّطته طربا بالنّجوم
قال أبو محمد بن درستويه: كان ابن السراج من أحدث غلمان المبرّد سنا مع ذكائه وفطنته، وكان المبرّد يميل إليه ويقرّبه وينشرح له، ويجتمع معه فى الخلوات والدعوات ويأنس به. قال: ورأيت ابن السراج يوما وقد حضر عند الزجاج مسلّما عليه بعد موت المبرد، فسأل رجل الزجّاج عن مسألة، فقال لابن السراج:
أجبه يا أبا بكر، فأجابه فأخطأ، فانتهره الزجّاج وقال: والله لو كنت فى منزلى لضربتك؛ ولكن المجلس لا يحمل هذا، وقد كنا نشبّهك فى الذكاء والفطنة بالحسن ابن رجاء، وأنت تخطئ فى مثل هذا! فقال: قد ضربتنى يا أبا إسحاق وأدّبتنى وأنا تارك مادرست مذ قرأت الكتاب- يعنى كتاب سيبويه،- لأنى شغلت