الطلب، فرأيت ليلة فى النوم، كأننى قد حصلت فى مسجد كبير، فى شرقيّه صفّة «١» كبيرة، وفى الصّفة سلّ الحصر مفروش من غير نسج، وعليه رجل مكفوف سمين متوسّط البياض، ورأسه مائل إلى جهة كتفه الأيسر، وهو مستقبل القبلة فى جلسته، وإلى جانبه طفل، وكأننى فهمت أنّه قائده، وكأنّنى واقف أسفل الصّفة، ومعى ناس قليل، ونحن ننظر إليه، وهو يتكلّم بكلام لم أفهم منه شيئا.
ثم قال فى أثناء كلامه مخاطبا لى: ما الذى يحملك على الوقيعة فى دينى؟ وما يدريك لعل الله غفر لى؟! فخجلت من قوله، وسألت عنه من إلى جانبى، فقال لى أحدهم: هذا أبو العلاء المعرّىّ. فابتسمت متعجّبا للرؤيا، واستغفرت الله لى وله، ولم أعد إلى الكلام فى حقّه إلا بخير.
ومرت على ذلك سنون، فلما كان فى سنة خمس وستمائة، أرسلنى من كنت فى صحبته بحلب، إلى القوم المقيمين فى جبل بهراء «٢» فى حصونهم، لإصلاح ما بينهم وبين أمير من أمراء الدولة، يعرف بأحمد بن على بن أحمد، وكان قد خشى عاديتهم، فلمّا عدت اجتزت بالمعرّة، فدخلت للصلاة فى جامعها. وعند ما شاهدته رأيته قريبا مما رأيته فى المنام، فأذكرنى من ذلك ما أنسيته على طول المدة، ونظرت فإذا الصّفّة إلى جانبه الشرقىّ، وهى قريب مما رأيته، وإذا فيها رجل عليه هيئة الرّهبان؛ وبيده قشّ يفتله، فقصدته وسألته عما يفعله، فقال: إن هذا الجامع إذا احتاج إلى حصر حصّل له النوّاب هذا البردىّ، وعلى رهبان الدّير الذين أنا منهم عمل ذلك، وقد آلت النوبة إلىّ، فحضرت لذلك. فعجبت من أمر الرؤيا، وقربها مما رأيته من الصحة بعد حين.