للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا: تعالوا نحكم أول من يطلع علينا، فطلع عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام عليه وشاح نمرة، فحكموه، فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم أخذ سيد كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه. (١)

أخبرنا عبد الرزاق ابن معمر، عن ابن خثيم، عن أبي الطفيل قال: كانت الكعبة مبنية بالرضم ليس فيها مدر وكانت قدر ما يقتحمها العناق وكانت غير مسقفة، إنما كان يوضع ثيابًا عليها يسدل سدلًا، وكان الركن موضوعًا على سورها باديا، وكانت ذات ركنين كهيئة الحلقة مربعة من جانب، ومدورة من جانب فأقبلت سفينة من الروم حتى إذا كانوا قريبًا من جدة انكسرت فخرجت قريش ليأخذوا الخشب، وكانت السفينة تريد الحبشة فوجدوا فيها رجلا روميا فأخذوا الخشب فأعطاهم إياها وكان تاجرًا فأقبلوا بالخشب وبالرجل الرومي الذي كان في السفينة فقالوا: نبني بهذا الخشب بيت ربنا، فلما أرادوا هدمه فإذا هم بحية على سور البيت مثل قطعة الجائز بيضاء البطن، سوداء الظهر، فجعلت كلما دنا أحد منهم إلى البيت ليهدمه أو يأخذ من حجارته فتحت فاها وسعت نحوه، فخرجت قريش حتى أتوا المقام فعجوا إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- فقالوا: ربنا لن نرع إنما أردنا تشريف بيتك وتزيينه، فإن كان ذلك وإلا فما بدا لك فأفعل فسمعوا وجيبًا (٢) في السماء فإذا هم بطائر أعظم من النسر أسود الظهر أبيض البطن والرجلين فغرز بمخالبه في قفا الحية فانطلق بها يجرها ساقط ذنبها حتى انطلق بها نحو أجياد، فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي، وكانت قريش تحملها على رقابها فرفعوه في السماء عشرين ذراعًا، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم - بينما هو يحمل حجارة إذ سقط الحجر وضاقت النمرة عليه، فذهب يضعها فبدا عورته من صغر النمرة فنودي يا محمَّد خمر عورتك، وكان بين بنيانها وبين ما أنزل عليه الذكر خمس عشر سنة، فلما قدم جيش الحصين بن نمير كان تحريقها في زمن ابن الزبير قال ابن الزبير: أخبرتني عائشة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: لولا حداثة عهد قومك بالكفر لهدمتها فإنهم تركوا منها سبعة أذرع في الحجر قصرت بهم النفقة والخشب.


(١) رواه البيهقي وهو حسن لغيره.
(٢) في الأصل جوابا.

<<  <   >  >>