قال موسي بن عقبة: وإنما حمل قريشا على بنيانها أن السيل كان يأتي من فوقها، من فوق الردم الذي صنعوه فأضَرَّ به، فخافوا أن يدخلها الماء، وكان رجل يقال له: مليح سرق طيب الكعبة، فأرادوا أن يشدُّوا بنيانها، وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخلها إلا من شاءُوا، فأعدُّوا لذلك نفقة وعمالًا، ثم عمدوا إليها؛ ليهدموها على شفق وحذر أن يمنعهم الله الذي أرادوا، فكان أول رجل طلعها وهدم منها شيئًا: الوليد بن المغيرة، فلما رأوا الذي فعل الوليد تتابعوا فوضعوها، فأعجبهم ذلك. فلما أرادوا أن يأخذوا في بنيانها أحضروا عُمالهم فلم يقدر رجل منهم أن يمضي أمامه موضع قدمه. وزعموا أنهم رأوا حية قد أحاطت بالبيت، رأسها عند ذنبها، فأشفقوا منها شفقة شديدة، وخشوا أن يكونوا قد وقعوا مما عملوا في هلكة. وكانت الكعبة حرزهم، ومنعتهم من الناس، وشرفا لهم؛ فأشار عليهم -زعموا- المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بالذي ذكر في هذا الكتاب، فلما فعلوا ذلك ذهبت الحية في السماء وتغيبت منهم، أن ذلك من الله -عَزَّ وَجَلَّ-. ويقول بعض الناس: خطفها طائر فألقاها نحو جياد.
فلما سقط في أيديهم، والتبس عليهم أمرهم -قام المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فقال: هل لكم في أمر تبتغون به مرضاة رب هذا البيت؟ فإذا اجتهدتم رأيكم وجهدتم جهدكم- نظرتم فإن خلى الله [-عَزَّ وجَلَّ-] بينكم وبين بنيانها، فذلك الذي أردتم، وإن حال بينكم وبينه كان ذلك وقد اجتهدتم [ثم] قالوا: أشر علينا. قال: إنكم قد جمعتم لنفقة هذا البيت ما قد علمتم، وإنكم قد أخذتم في هدمه، وبنيانه، على تحاسد منكم، وإني أرى أن تقسموا أربعة أرباع على منازلكم في الآل والأرحام، ثم تقسموا البيت على أربعة أقسام، ولا تجعلوا أحد جوانب البيت كاملًا، لكل ربعٍ، ولكن اقسموه نصفين أيضًا فإن كل جانب من جوانب البيت، فإذا فعلتم ذلك فليعين كل ربع منكم نصيبه، ولا تجعلن في نفقة البيت شيئًا أصبتموه غصبًا، ولا قطعتم فيه رحمًا، ولا انتهكتم فيه ذمة بينكم وبين أحد من الناس، فإذا فعلتم ذلك فاقترعوا بفناء البيت، ولا تنازعوا ولا تنافسوا، وليُصيِّر كل ربع منكم موضع سهمه، ثم انطقوا بعمالكم، فلعلكم إذا فعلتم ذلك أن تخلصوا إليها. فلما سمعوا قول المغيرة رضوا به، وانتهوا إليه، وفعلوا الذي أمرهم به.