وروى أبو نعيم عن كعب -رحمه الله- قال: كان أبي من أعلم الناس بما أنزل الله على موسى، وكان لم يدخر عني شيئا مما كان يعلم، فلما حضره الموت دعاني فقال لي: يا بني إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئا أعلمه إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما نبي يبعث قد أطل زمانه، فكرهت أن أخبرك بذلك، فلا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى وطينت عليهما فلا تتعرض لهما ولا تنظر فيهما حينك هذا، فإن الله إن يرد بك خيرا ويخرج ذلك النبي تبعته.
ثم إنه مات فدفناه، فلم يكن شيء أحب إلي من أن أنظر في الورقتين، ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين فإذا فيهما: محمد رسول الله خاتم الأنبياء، لا نبي بعده، مولده بمكة ومهاجره بطيبة، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ويجزئ بالسيئة الحسنة، ويعفو ويصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال، تذلل ألسنتهم بالتكبير، وينصر نبيهم على كل من ناوأه، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم، أناجيلهم في صدورهم، وتراحمهم بينهم كتراحم بني الأم، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم.
فمكثت ما شاء الله ثم بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خرج بمكة، فأخذت أستثبت ثم بلغني أنه توفي وأن خليفته قد قام مقامه، وجاءتنا جنوده، فقلت: لا أدخل في هذا الدين حتى أنظر سيرتهم وأعمالهم، فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدم علينا عمال عمر بن الخطاب، فلما رأيتهم رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء، فعلمت أنهم هم الذين كنت أنتظر.
فوالله إني ذات ليلة فوق سطحي فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} الآية.
فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاى، فما كان شيء أحب إلي من الصباح، فغدوت في المسلمين. (١)