قال ابن إسحاق: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تلا عليهم القرآن، ودعاهم إلى الله؛ قالوا يهزؤون به: قلوبنا في أكنةٍ مما تدعونا إليه لا نفقه ما تقول، وفي آذاننا وقر لا نسمع ما تقول، ومن بيننا وبينك حجاب قد حال بيننا وبينك، فاعمل بما أنت عليه إننا عاملون بما نحن عليه، إنا لا نفقه عنك شيئًا، فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قولهم:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} إلى قومه: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} أي: كيف فهموا توحيدك ربك إن كنت جعلت على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرًا وبينك وبينهم حجابًا بزعمهم، أي: إنى لم أفعل ذلك {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} أي: ذلك ما تواصوا به من ترك ما بعثك به إليهم {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} أي أخطئوا المثل الذي ضربوا لك فلا يصيبون به هدى، ولا يعتدل لهم فيه قول {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} أي: قد جئت تخبرنا أنا سنبعث بعد موتنا إذا كنا عظامًا ورفاتًا، وذلك ما لا يكون {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: الذي خلقكم مما تعرفون فليس خلقكم من تراب بأعز من ذلك عليه.
روى ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس، -رضي الله عنهما-، قال: سألته عن قول الله تعالى: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} ما الذي أراد الله به؟ فقال: الموت. (١)