للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"لعل الله أن يقرَّ أعيننا بغلام"، فأتي بي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في خرقي فحنكني. قال مجاهد: لا نعلم أحدًا حُنِّكَ بريق النبوة غيره.

[حديث نقض الصحيفة برواية أبي نعيم]

فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ورجال من بني قصي ورجال ممّن سواهم، وذكروا الذي وقعوا فيه من القطيعة فأجمعوا أمرهم في ليلتهم على نقض ما تعاقدوا عليه، والبراءة منه، فبعث الله -عَزَّ وجَلَّ- على صحيفتهم التي فيها المكر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأرضة فلحست كل شيء كان فيها، وكانت معلقة في سقف الكعبة، وكان فيها عهد الله وميثاقه، فلم تترك فيها شيئًا إلا لحسته، وبقي فيها ما كان من شرك أو ظلم أو بغي، فأطلع الله تعالى رسوله على الذي صنع بالصحيفة. فقال أبو طالب: لا والثواقب (١) ما كذبني، فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب، حتى أتى المسجد، وهو حافل من قريش فلما رأوهم أتوا بجماعة أنكروا ذلك، فظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء، وأتوهم ليعطوهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتكلم أبو طالب، فقال: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم، فأتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم، فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها.

فأتوا بصحيفتهم معجبين بها، لا يشكون أن الرسول مدفوع إليهم، فوضعوها بينهم وقالوا: قد دنا لكم أن تقبلوا أو ترجعوا إلى أمر يجمع عامتكم ويجمع قومكم، ولا يقطع بيننا وبينكم إلا رجل واحد جعلتموه خطرًا لعشيرتكم وفسادكم.

قال أبو طالب: إنما أتيتكم لأعطيكم أمرًا فيه نصف بيني وبينكم، هذه الصحيفة التي في أيديكم، إن ابن أخي قد أخبرني، ولم يكذبني، أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- بعث عليها دابة، فلم تترك فيها اسمًا لله إلا لحسته، وترك فيها غدركم وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان الحديث كما يقول فأفيفوا، فوالله لا نسلمه حتى نموت عن آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلًا دفعنا إليكم صاحبنا، فقتلتم، أو استحييتم، قالوا: لقد رضينا بالذي تقول،


(١) الثواقب: النجوم.

<<  <   >  >>