فقالوا: أنت سيدنا وأفضلنا في أنفسنا، وقد رأيت هذا الذي فعل هؤلاء السفهاء مع ابن أخيك من تركهم آلهتنا وطعنهم علينا وتسفيههم أحلامنا، وجاؤوا بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا: قد جئناك بفتى قريش جمالًا ونسبًا ونهادةً وشعرًا ندفعه إليك فيكون لك نصره وميراثه وتدفع إلينا ابن أخيك فنقتله، فإن ذلك أجمع للعشيرة وأفضل في عواقب الأمور مغبةً، قال أبو طالب: والله ما أنصفتموني تعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابن أخي تقتلونه؟ ما هذا بالنصف، تسومونني سوم العرير الذليل.
وروى بأسانيده المتعددة دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا: فذكر الحديث وفيه: عرض قريش عمارة على أبي طالب ومفاوضتهم له إلى أن قال: وقالوا: لا نعود إليه أبدًا وما خير من أن يغتال محمد، فلما كان مساء تلك الليلة فقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء أبو طالب وعمومته إلى منزله فلم يجدوه، فجمع فتيانًا من بني هاشم وبني المطلب ثم قال: ليأخذ كل واحدٍ منكم حديدة صارمةً ثم ليتبعني إذا دخلت المسجد، فلينظر كل فتى منكم فليجلس إلى عظيم من عظمائهم فيهم ابن الحنظلية يعني أبا جهل، فإنه لم يغب عن شر إن كان محمد قد قتل، فقال الفتيان: نفعل. فجاء زيد بن حارثة فوجد أبا طالب على تلك الحال، فقال: يا زيد أحسست ابن أخي؟ قال: نعم كنت معه آنفًا، فقال أبو طالب، لا أدخل بيتي أبدًا حتى أراه، فخرج زيد سريعًا حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت عند الصفا ومعه أصحابه يتحدثون، فأخبره الخبر، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي أين كنت؟ أكنت في خير؟ قال:(نعم)، قال: ادخل بيتك، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبح أبو طالب غدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيده فوقف به على أندية قريش، ومعه الفتيان الهاشميون والمطلبيون، فقال: يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به؟ قالوا: لا، فأخبرهم الخبر، وقال للفتيان: اكشفوا عما في أيديكم، فكشفوا، فإذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة، فقال: والله لو قتلتموه ما بقيت منكم أحدًا حتى نتفانى نحن وأنتم، فانكسر القوم وكان أشدهم انكسارًا أبو جهل. (١)