وروى ابن إسحاق بسنده عن القاسم بن محمَّد قال: لقيه سفيه من سفهاء قريش، وهو عامد إلى الكعبة، فحثا على رأسه ترابًا، قال: فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة، أو العاص بن وائل، قال: فقال أبو بكر: ألا ترى إلى ما يصنع هذا السفيه؟ قال: أنت فعلت ذلك بنفسك، قال: وهو يقول: أي رب ما أحلمك، أي رب ما أحلمك، أي رب ما أحلمك.
روى البخاري بسنده عن عائشة -رضي الله عنها-، زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قالت: لم أعقل أبوي قط، إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك الغماد لقيه ابن الدُّغُنَّةِ وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، قال ابن الدُّغُنَّةِ: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يُخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع وارتحل معه ابن الدُّغُنَّةِ، فطاف ابن الدُّغُنَّةِ عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يُخرج، أتخرجون رجل يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فلم تكذب قريش بجوار ابن الدُّغُنَّةِ، وقالوا لابن الدُّغُنَّةِ: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدُّغُنَّةِ لأبي بكر فلبث أبو بكر بذلكَ يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدًا بفناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلًا بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن،
(١) ذكر ابن هشام هذه الحادثة بعد حصر قريش بني هاشم في الشعب وقبل خروجهم منه، وتابعه على ذلك ابن حجر انظر (فتح الباري: ج ٧/ ٢٣٢). وصرح بعضهم أنها كانت بعد وفاة أبي طالب انظر (الرحيق المختوم: ١٣٣).