روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أن زيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كنا ندعوه إلَّا زيد بن محمد حتى نزل القرآن:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ}(١).
روى الحاكم بسنده عن أسامة بن زيد قال: كان حارثة بن شراحيل تزوج امرأة في طيء من نبهان فأولدها جبلة وأسماء وزيدًا، فتوفيت وأخلفت أولادها في حجر جدهم لأبيهم، وأراد حارثة حملهم، فأتى جدهم فقال: ما عندنا فهو خير لهم، فتراضوا إلى أن حمل جبلة وأسماء، وخلف زيدًا، وجاءت خيل من تهامة من بني فزارة فأغارت على طيء فسبت زيدًا، فصيروه إلى سوق عكاظ، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم -، من قبل أن يبعث، فقال لخديجة -رضي الله عنها-: "يا خديجة رأيت في السوق غلامًا من صفته كيت وكيت يصف عقلًا وأدبًا وجمالًا، لو أنّ لي مالًا لاشتريته"، فأمرت ورقة بن نوفل، فاشتراه من مالها، فقال:"يا خديجة هبي لي هذا الغلام بطيب من نفسك" فقالت: يا محمد أرى غلامًا وضيئًا وأخاف أن تبيعه أو تهبه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا موفقة ما أردت إلا لأتبناه"، فقالت: نعم يا محمد، فربَّاه وتبنَّاه، فكان يقال له: زيد بن محمد، فجاء رجل من الحي فنظر إلى زيد فعرفه أنت زيد بن حارثة، من صفة أبيك وعمومتك وأخوالك كيت وكيت قد اتعبوا الأبدان وأنفقوا الأموال في سبيلك ...
فقدم حارثة بن شراحيل إلى مكة في إخوته وأهل بيته، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في فناء الكعبة في نفر من أصحابه فيهم زيد بن حارثة، فلما نظروا إلى زيد عرفوه وعرفهم، ولم يقم إليهم إجلالًا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا له: يا زيد، فلم يجبهم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"من هؤلاء يا زيد؟ ". قال: يا رسول الله هذا أبي، وهذا عمي، وهذا أخي وهؤلاء عشيرتي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"قم فسلم عليهم يا زيد" فقام فسلم عليهم، وسلَّموا عليه ثم قالوا له: امضِ معنا يا زيد، فقال: ما أريد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدلًا، ولا غيره أحدًا. فقالوا: يا محمد، إنا معطوك بهذا الغلام ديات فسمِّ ما شئت، فإنَّا حاملوه إليك، فقال: "أسألكم أن تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني خاتم أنبيائه ورسله وأرسله