عليه وسلم: أخفوا حرسكم فإن علينا عيونا، وقدموا ذوي أسنانكم، فيكونون هم الذين يلون كلامنا منكم، فإنا نخاف قومكم عليكم، ثم إذا بايعتم فتفرقوا إلى محالكم، فتكلم البراء ابن معرور فأجاب العباس بن عبد المطلب، ثم قال: ابسط يدك يا رسول الله، فكان أول من ضرب على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، البراء بن معرور، ويقال أول من ضرب على يده أبو الهيثم بن التيهان، ويقال أسعد بن زرارة، ثم ضرب السبعون كلهم على يده وبايعوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن موسى أخذ من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا فلا يجدن منكم أحد في نفسه أن يؤخذ غيره، فإنما يختار لي جبريل، فلما تخيرهم قال للنقباء: أنتم كفلاء على غيركم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي، قالوا: نعم، فلما بايع القوم وكملوا صاح الشيطان على العقبة بأبعد صوت سمع: يا أهل الأخاشب، هل لكم في محمَّد والصباة معه قد أجمعوا على حربكم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انفضوا إلى رحالكم، فقال العباس بن عبادة بن نضلة: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لئن أحببت لنميلن على أهل منى بأسيافنا، وما أحد عليه سيف تلك الليلة غيره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا لم نرمر بذلك فانفضوا إلى رحالكم، فتفرقوا إلى رحالهم، فلما أصبح القوم غدت عليهم جلة قريش وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار فقالوا: يا معشر الخزرج، إنه بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا البارحة وواعدتموه أن تبايعوه على حربنا, وأيم الله ما حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب بيننا وبينه الحرب منكم، قال: فانبعث من كان هناك من الخزرج من المشركين يحلفون لهم بالله ما كان هذا وما علمنا، وجعل ابن أبي يقول: هذا باطل وما كان هذا وما كان قومي ليفتأتوا علي بمثل هذا, ولو كنت بيثرب ما صنع هذا قومي حتى يؤامروني، فلما رجعت قريش من عندهم رحل البراء بن معرور فتقدم إلى بطن يأجج وتلاحق أصحابه من المسلمين، وجعلت قريش تطلبهم في كل وجه ولا تعدوا طرق المدينة، وحزبوا عليهم، فأدركوا سعد بن عبادة، فجعلوا يده إلى عنقه بنسعة وجعلوا يضربونه ويجرون شعره، وكان ذا جمة، حتى أدخلوه مكة، فجاءه مطعم بن عدي والحارث بن أمية بن عبد شمس فخلصاه من بين أيديهم، وأتمرت الأنصار حين فقدوا سعد بن عبادة أن يكروا إليه، فإذا سعد قد طلع عليهم، فرحل القوم جميعا إلى المدينة. (١)