(٥٩٠٩) الحديث التاسع عشر: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا أبي عن ابن إسحق قال: حدّثني يزيد بن أبي حبيب عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثَّقَفي عن حبيب بن أبي أوس الثَّقَفيّ قال: حدّثني عمرو بن العاص قال:
لما انصرَفْنا مع الأحزاب عن الخندق، جمعتُ رجالًا من قريش كانوا يرَون مكاني ويسمعون منّي، فقلت لهم: تعلمون، واللَّه إنّي لأرى أمرَ محمد يعلو الأموَر عُلُوًّا منكرًا، وإني قد رأيتُ رأيًا، فما ترَون فيه؟ قالوا: ما رأيتَ؟ قال: رأيتُ أن نلحقَ بالنجاشيّ فنكونَ عنده، فإن ظهر محمدٌ على قومنا كُنّا عند النجاشيّ، فإنّا أن نكونَ تحت يدَيه أحبُّ إلينا من أن نكونَ تحت يدَي محمد، وإن ظهرَ قومُنا فنحن مَن عرفوا، فلن يأتيَنا منهم إلّا خيرٌ. قالوا: هذا الرأي. قال: فقلت لهم: فاجمعو له ما نُهدي له، وكان أحبَّ ما يُهدَى له من أرضنا الأدُم. فجمعنا له أدمًا كثيرًا، ثم خرجْنا حتى قدِمنا عليه، فواللَّهِ إنّا لعنده إذ جاء عمرو بن أميّة الضَّمري، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد بعثَه إليه في شأن جعفر وأصحابه. قال: فدخل عليه، ثم خرج من عنده. فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أميّة، لو قد دخلْتُ على النجاشي فسألْتُه إيّاه فأعطانيه فضَربْتُ عنقُه. فإذا فعلت ذلك رأت قريش أنّه قد أجزأتُ عنها حين قتلتُ رسولَ محمد. قال: فدخلْتُ عليه، فسجدْتُ له كما كنتُ أصنع. فقال: مرحبًا بصديقي، أهديت لي من بلادك شيئًا؟ قلت: نعم أيّها الملك، قد أهديتُ لك أُدُمًا كثيرًا، ثم قدّمْته إليه فأعجَبَه واشتهاه، ثم قلتُ له: أيّها الملك، إنّي قد رأيتُ رجلًا خرج من عندك، وهو رسول رجلٍ عدوّ لنا، فأعْطِنِيه لأقتلَه، فإنّه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا. قال: فغضب ثم مدّ يدَيه فضرب بهما أنفَه ضربةً ظنَنْتُ أنّه قد كسره، فلو انشقّت الأرض لدخَلْتُ فيها فَرَقًا منه. ثم قلتُ: أيُّها المَلِك، لو ظَنَنْتُ أنّك تكره هذا ما سألْتُكه. فقال: أتسألني أن أُعطِيَك رسولَ رجلٍ يأتيه الناموسُ الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتلَه! . قال: قلتُ: أيّها الملك، أكذاك هو؟ فقال: ويْحَكَ يا عمرو، أَطِعْني واتّبِعْه، فإنّه واللَّه لعلى الحقِّ، وَليَظْهَرَنَّ على من خالفَه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قال: قلتُ: فبايعني له على الإسلام. قال: نعم. فبسطَ يدَه وبايَعْتُه على الإسلام، ثمّ خَرجْتُ إلى أَصحابي وقد حال رأيي عمّا كنت عليه، وكَتَمْتُ أصحابي إسلامي.
ثم خرجْتُ عامِدًا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأُسْلِمَ، فلقيتُ خالد بن الوليد، وذلك قُبيل الفَتح، وهو مُقبِلٌ من مكّة، فقلتُ: أين يا أبا سليمان؟ قال: واللَّه لقد استقامَ المَنْسِمُ، وإنَّ الرَّجُل