للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان عمرو بن العاص يتخوَّلُنا، فقال رجل من بكر بن وائل: لئن لم تَنْتَهِ قريشٌ ليَضَعَنّ هذا الأمرَ في جُمهور من جماهير العرب سواهم. فقال عمرو بن العاص: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "قريشٌ وُلاة النّاس في الخير والشرّ إلى يوم القيامة" (١).

(٥٩١٣) الحديث الثالث والعشرون: حدّثنا مسلم قال: حدّثنا محمد بن المُثَنّى قال: حدّثنا الضّحّاك يعني أبا عاصم قال: حدّثنا حَيْوةُ بن شُريح قال: حدّثنا يزيد بن أبي حبيب عن أبي شَماسة المهريّ قال:

حضرْنا عمرو بن العاص وهوِ في سِياقة الموت، فبكى طويلًا وحوّل وجهَه إلى الجدار، فجعل ابنُه يقول: يا أبَتاه، أما بَشَّرَك رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بكذا؟ أما بشَّرَكَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بكذا؟ فأقبل بوجهه وقال: أفضلُ ما نُعدُّ شهادةُ أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه. إني قد كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيَتُني وما أحدٌ أشدَّ بُغضًا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منّي، ولا أحبَّ إليّ من أن أكونَ قد استمكَنْتُ منه فقتلْتُه، فلو مِتُّ على ذلك الحال لكنتُ من أهل النّار. ثم أَدْخَلَ اللَّهُ الإسلام في قلبي، أتيتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: ابسُطْ يدَك لأُبايعَك، فبسطَ يمينَه، فقَبَضْتُ يدي، فقال: "مالك يا عمرو"؟ قال: قلت: أردْت أن أشترطَ. قال: "تشترطُ ماذا؟ " قُلْتُ: أن يُغْفَرَ لي. قال: "أما عَلِمْتَ أنَّ الإسلامَ يهْدِمُ ما قبلَه؟ " وما كان أحدٌ أحبَّ إليّ من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنتُ أُطيقُ أن أملأَ عينيَّ منه إجلالًا له، ولو سُئِلْتُ أنْ أصِفَه ما أطَقْتُه، لإنّي لم أَكُنْ لأملأَ عينيَّ منه (٢)، ولو مِتُّ على تلك الحال لرجوتُ أن أكونَ من أهل الجنّة. ثم ولِينا أشياء لا أدري ما حالي فيها. فإذا أنا متُّ فلا تَصْحَبْني نائحة، ولا نار، وإذا دَفَنْتُموني فسُنّوا عليّ التُّرابَ سَنًّا (٣)، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنْحَرُ جَزورً ويُقْسم لحمها، حتى أستأنِسَ بكم وأنظرَ ماذا أراجع به رُسُلَ ربيّ.

انفرد بإخراجه مسلم (٤).


(١) المسند ٤/ ٢٠٣. ورجاله رجال الصحيح، عدا حبيب، وهو ثقة. ومن طريق شعبة أخرجه الترمذي ٤/ ٤٣٦ (٢٢٢٧) وقال: حسن غريب صحيح، وابن أبي عاصم في السنة ٢/ ٧٤٥ (١١١٠) وصحّحه الألباني - الصحيحة ٣/ ١٤٥ (١١٥٥).
(٢) سقط من التركية "إجلالًا له. . . منه".
(٣) سُنُّوا - ويروى: شُنُّوا: أي صُبّوا.
(٤) مسلم ١/ ١١٢ (١٢١). ومن طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أخرجه الإمام أحمد ٤/ ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>