للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فجلس النّاس، وقمتُ أنا وصاحبي، حتى إذا فَرَّغَ لنا فؤاده وبصرَه. قلنا: يا رسول اللَّه، ما عندك من علم الغيب؟ فضَحِك -وعَمْرُ اللَّه- وهزّ رأسَه، وعلمَ أني أبتغي سَقَطَه، فقال: "ضَنَّ ربّك عزّ وجلّ بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلَمُها إلّا اللَّهُ عزّ وجلّ" وأشار بيده. قلت: وما هي؟ قال: "عَلِمَ المَنِيَّةَ قد عَلِمَ متى منيّةُ أحدكم، ولا تعلمون، وعَلِمَ المَنِيَّ حين يكون في الرَّحِم، وقد عَلِمَه ولا تعلمونه، وعلم ما في الغد، ما أنت طاعم غدًا ولا تعلمه، وعلم الغيث يُشرِف عليكم آزِلين (١) مُشْفِقين، فيظلُّ يضحكُ، قد علم أن غِيَرَكم (٢) إلى قريب". قال لقيط: قلت: لن نَعْدَمَ من رب يضحكُ خيرًا. "وعلم يوم الساعة".

قُلنا: يا رسول اللَّه، عَلِّمْنا ممّا تُعَلِّمُ النّاسَ وما تَعْلَم، فإنَّا في قَبيلٍ لا يُصَدِّقون تصديقَنا، من مَذْحج التي تربو علينا، وخثعم التي توالينا، وعشيرتنا التي نحن منها.

قال: "تلبثون ما لَبِثْتُم ثمَ يُتَوَفّى نبيُّكم، ثم تلبثون ما لبِثتم، ثم تُبْعَثُ الصائحةُ، لَعَمْرُ إلهك ما تَدَعُ على ظهرها من شيءٍ إلّا مات، والملائكة الذين مع ربّك عزّ وجلّ، فأصبحَ ربُّك عزّ وجلّ يطوف في الأرض، وخَلَتْ عليه البلادُ، فأرسل ربُّك عزّ وجلّ السماء تهضبُ مِن عند العرش. ولعمر إلهك ما تَدَعُ على ظهرها من مَصْرَعِ قتيل ولا مَدْفن ميت إلّا شقَّت الأرض عنه حتى تجعلَه من عند رأسه، فيستوي جالسًا، ويقول ربُّك: مَهْيم؟ لما كان فيه، يقول: يا ربِّ، أمسِ، اليومَ، ولَعَهده بالحياة يحسِبُه حديثًا بأهله".

فقلت: يا رسول اللَّه، كيف يجمعُنا بعدما تُمَزِّقُنا الرياح والبلى والسِّباع؟ قال: "أُنَبِّئُكَ بمثل ذلك في آلاء اللَّه: الأرض أشْرَفْتَ عليها وهي مَدَرةٌ بالية، فقلتَ: لا تحيا أبدًا، ثم أرسل ربُّك عزّ وجلّ عليها السماء، فلم تلبث عليك إلّا أيامًا حتى أشْرَفْتَ عليها وهي شَرَبَّةَ واحدة. ولعمرُ إلهك، لهو أقدرُ أن يَجْمَعَكم من الماء على أنّ يجمعَ نباتَ الأرض، فيخرجون من الأصواء أو من مصارعهم، فتنظرون إليه وينظر إليكم".

قلت: يا رسول اللَّه، فكيف ونحن ملءُ الأرض وهو شخص واحد، ينظر إلينا وننظر إليه؟ قال: "أُنَبِئُك بمثل ذلك في آلاء اللَّه: الشمسُ والقمر آية منه صغيرة ترونهما


(١) آزلين: صائرين إلى شدّة.
(٢) الغِيَر: تغيَّر الحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>