للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للناس: "انزِلوا" فقالوا: يا رسول اللَّه، ما بالوادي من ماء ينزل عليه النّاس. فأخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سهمًا من كِنانته فأعطاه رجلًا من أصحابه، فنزل في قليب (١) من تلك القُلُب، فغرزه فيه، فجاش في الماء حتى ضرب الناسُ عنه بِعَطَن (٢).

فلما أطمأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا بُديل بن ورقاء في رجالٍ من خُزاعة، فقال لهم كقوله لبسر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش، إنكم تَعْجَلون على محمد، إنّ محمّدًا لم يأتِ لقتال، إنما جاء زائرًا لهذا البيت مُعَظِّمًا لحقّه، فاتَّهموهم. قال محمد بن إسحق: قال الزهري: وكانت خزاعة في عَيبة (٣) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: مشركُها ومسلمُها، لا يُخفون عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا كان بمكّة، فقالوا: وإن كان إنّما جاء لذلك، فلا واللَّه لا يدخلها أبدًا علينا عَنوةً، ولا تتحدَّثُ العرب بذلك.

ثم بعثوا إليه مِكرز بن حفص أحد بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "هذا رجل غادر" فلما انتهى إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلّمَهُ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بنحوٍ ممّا كلّمَ به أصحابَه، ثم رجع إلى قريش فأخبرَهم بما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فبعثوا إليه الجُلَيس بن علقمة الكِنانيّ، وهَو يومئذٍ سيّد الأحابيش (٤)، فلما رآه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "هذا من قومٍ يتألّهون، فابعثوا الهَدْيَ [في وجهه" فبعثوا الهَدْي] فلمّا رآى الهَدْي يسيل عليه من عُرض الوادي في قلائده، قد أُكِلَ أوبارُه من طول الحبس عن مَحَلِّه، رَجَعَ ولم يَصِلْ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إعظامًا لما رأى. فقال: يا معشر قريش، لقد رأيتُ ما لا يَحِلُّ صَدُّه: الهديَ في قلائده قد أُكِلَ أوبارُه من طول الحَبس عن مَحَلّه. قالوا: اجلس، إنما أنت أعرابيٌّ لا علم لك.

فبعثوا إليه عُروة بن مسعو الثَّقَفيّ، قال: يا معشر قريش، إني رأيتُ ما يلقى منكم مَن تبعثون إلى محمّد إذا جاءَكم من التعنيف وسوء اللَّفْظِ، وقد عَلِمْتُم أنكم والدٌ وأنّي ولد، وقد سمعتُ بالذي نابكم، فجمعتُ من أطاعني من قومي ثم جئتُ حتى واسيتُكم بنفسي. قالوا: صدقتَ، ما أنت عندما بمُتّهم. فخرج حتى أتى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجلسَ


(١) القليب: البئر.
(٢) في المسند: "فجاش الماء بالرواء". والعَطن: مبارك الإبل. والمعنى أنها شربت حتى بركت.
(٣) العيبة: موضع السرّ والنصح.
(٤) الأحابيش: ويقال: الأحايش: الجماعات المختلفة من قبائل متعدّدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>