للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: "ليس على منه بأسٌ" فلمّا نظر الجمل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقبلَ نحوه حتى خرَّ ساجدًا بين يدَيه، وأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بناصيته أذلَّ ما كانت قَطُّ حتى أدخلَه في العمل، فقال له أصحابُه: يا نبيّ اللَّه، هذه بهيمةٌ لا تعقل تَسْجُدُ لك، ونحن نعقلُ، فنحن أحقُّ أن نسجُدَ لك. قال: "لا يَصْلُحُ لبشرٍ أن يسجُدَ لِبَشَر، ولو صلح لبشر أن يسجدَ لبشر لأمرْتُ المرأة أن تَسْجُدَ لِزوجها من عِظَم حقِّه عليها. والذي نفسي بيده، لو كان من قدمِه إلى مَفْرِقِ رأسه قَرْحة تَتبَجّسُ بالقيح والصَّديد ثم اسْتَقْبَلَتْهُ تَلْحَسُه ما أدّت حقّه" (١).

(٥٩٣) الحديث السبعون بعد الأربعمائة: حدّثنا البخاريّ قال: حدّثنا محمّد بن مقاتل قال: أخبرنا عبد اللَّه قال: أخبرنا الأوزاعيّ قال: حدّثنا إسحق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة الأنصاريّ قال: حدّثني أنس بن مالك قال:

أصابتِ النّاسَ سَنَةّ على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبينا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطُب على المنبر يومَ الجمعة، إذ قام أعرابيّ فقال: يا رسول اللَّه، هلك المالُ، وجاعَ العيال، فادعُ اللَّه لنا أنْ يَسْقيَنا. فرفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدَيه وما في السماء قَزَعة (٢)، فثار سحابٌ أمثالُ الجبال، ثم لم ينزلْ عن مِنبره حتى رأيْنا المطرَ يتحادرُ على لحيته. قال: فمُطِرْنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد، والذي يليه، إلى الجمعة الأُخرى، فقام ذلك الأعرابيُّ -أو رجلٌ غيره- فقال: يا رسول اللَّه، تهدَّم البناء، وغرِقَ المالُ، فادع اللَّهَ لنا. فرفعَ رسول اللَّه يدَيه فقال: "اللهمّ حوالَينا ولا علينا". قال: فما جعل يُشير بيده إلى ناحية من السّماء إلّا انفرجت حتى صارت المدينة مثل الجَوبة (٣)، حتى سال الوادي -وادي قناة- شهرًا، ولم يجىءْ أحدٌ من ناحية إلّا حدَّث بالجَود.

أخرجاه (٤).


(١) المسند ٢٠/ ٦٤ (١٢٦١٤)، والمختارة ٥/ ٢٦٥ (١٨٩٥). وقال الهيثمي ٩/ ٧: رواه أحمد والبزّار، ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخي أنس، وهو ثقة. وقد صحّحه محقّق المسند لغيره، وينظر تخريجه فيه، وينظر في الباب المجمع ٤/ ٣٠٩ وما بعدها.
(٢) القزعة واحدة القَزَع: السحاب المتفرق.
(٣) الجَوْبة: الحفرة المستديرة الواسعة.
(٤) البخاريّ ٢/ ٥١٩ (١٠٣٣)، ومسلم ٢/ ٦١٢ - ٦١٥ (٨٩٧). وهو في المسند من طريق عبد اللَّه بن المبارك عن الأوزاعي ٢١/ ٢٥٨ (١٣٦٩٣).
والجَود: المطر الغزير. وقناة: وادٍ قرب أحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>