وتعمّقت صلتي بالكتاب بعد عملي في بعض مؤلّفات ابن الجوزي، وتحقيق كتبٍ في الحديث، وبخاصة بعد إنجاز "الجمع بين الصحيحين" للحميدي، و"كشف مشكل الصحيحين" لابن الجوزي، فازدادت صلتي بالحديث والمؤلّف ابن الجوزي، وعَظُمَ حرصي على الكتاب وتحقيقه.
وبعد جهد ومتابعة، اهتديت إلى أجزاء متناثرة مفرّقة من الكتاب، وتيسّر لي الحصول على بعضها وتصويره، وطال العهد واشتدّت الصعوبة في الحصول على غيرها، وأذكر على سبيل المثال أن جزأين من الكتاب في مكتبة حسين جلبي في تركيا، كان الحصول عليهما أُنموذجًا يُتَحَدَّثُ عنه فيما يعانيه المحقّق في سبيل الوصول إلى مخطوطاته، والتكلفة التي يتحمّلها. والجزء الذي كان في مكتبة الأزهر بمصر، بذل زملائي وأصدقائي الأساتذة في الجامعات المصريّة جهدًا كبيرًا في سبيل تصويره، وأُغلقت المكتبة سنوات للترميم، ولم تَهُن عزيمتي وعزيمتهم حتى تمكّنوا بعد لأيٍ من الحصول عليه.
وهكذا قُدِّر لي الحصول على إحدى عشرة قطعة -أو جزءًا مخطوطًا- من الكتاب، تُغطّي أغلب أجزائه، وبعض أقسام الكتاب كأوّله، وبعض المسانيد الكبيرة منه كمسند أبي هريرة وعليّ، تيسّر الحصول على أكثر من نسخة منه، وبعضها كالثلث الأخير، لم أقف منه على أكثر من نسخة واحدة. وبقي من الكتاب بضعة مسانيد في "العبادلة" لم نهتدِ إلى مكان وجودها. ولكنّي تتبّعت أصول المؤلّف، وعرفت وحدّدت الناقص، فكان منه مسند عبد اللَّه بن عمر، والقسم الأكبر من مسند عبد اللَّه بن عمرو، مع بعض المُقِلِّين من "العبادلة". وقمت بجمع هذه الأحاديث من المصادر المذكورة على نسق يشبه إلى حدٍّ كبير ما سار عليه المؤلّف. وإذا كان المصادر التي استمدّ منها ابن الجوزيّ كتابه قد أعانت على تكملة الناقص، فهي أيضًا كانت خير معين على تحقيقه، إذ إنّها نسخ أخرى للكتاب بالتأكيد.