للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخذتُ ما جمعوا لي، فأتيتُ به النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "اذهبْ بهذا إليهم فقل: هذا صَداقها" فأتَيْتُهم فقلت: هذا صَداقها، فرضُوه وقَبِلوه، وقالوا: كثير طيّب. قال: ثم رجعْت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حزينًا، فقال: "يا ربيعة، مالك حزينًا؟ " فقلت: يا رسول اللَّه، ما رأيْتُ قومًا أكرمَ منهم، رضُوا بما أتيتُهم، وأحسنوا وقالوا: كثير طيّب، وليس عندي ما أُولِمُ، قال: "يا بريدة، اجمعوا له شاة". قال: فجمعوا لي كبشًا عظيمًا سمينًا، فقال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذهب إلى عائشة فلتبعثْ بالمِكْتَل الذي فيه الطعام" قال: فأتيتُها فقلت لها ما أمرني به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: هذا المِكْتَل فيه تسعة آصع (١) شعير. لا واللَّه إنْ أصبح لنا طعامٌ غيره، خُذْه. قال: فأخذْتُه فأتيتُ به النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبرْتُه بما قالت عائشة. فقال: "اذهب بهذا إليهم فقل لهم: ليصبحْ هذا عندكم خبزًا" فذهبتُ إليهم، وذهبْت بالكبش ومعي أناس من أسلم، فقال: ليصبح هذا خبزًا وهذا طبيخًا. فقالوا: أما الخبز فسنكفيكموه، وأما الكبش فاكفونا أنتم. فأخذْنا الكبش أنا وأناس من أسلم، فذبحْناه وسلخْناه وطبخْناه، فأصبح عندنا خبز ولحم، فأولَمْتُ ودَعَوْتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

ثم قال: إنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطاني بعد ذلك أرضًا، وأبو بكر أرضًا، وجاءت الدّنيا، فاختلفْنا في عَذق نخلة، فقلت أنا: هي في حدّي، وقال أبو بكر: هي في حدّي. فكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمةً كَرِهَها ونَدِم، فقال لي: يا ربيعة، رُدّ عليّ مثلها حتى تكون قصاصًا. قال: قلت: لا أفعل. فقال أبو بكر: لتقولنَّ أو لأستعدِيَنَّ عليك رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقلت: ما أنا بفاعل. قال: ورفض الأرضَ. وانطلق أبو بكر إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وانطلقْتُ أتلوه، فجاء ناسٌ من أسلم فقالوا لي: رَحِمَ اللَّهُ أبا بكر، في أيّ شيء يستعدي عليك رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو الذي قال لك ما قال؟ فقلْتُ: أتدرون ما هذا؟ هذا أبو بكر الصدّيق، هذا ثاني اثنينِ، وهذا ذو شيبة المسلمين، إيّاكم لا يلتفتْ فيراكم تنصروني عليه فيغضبَ، فيأتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيغضبَ لغضبه، فيغضبَ اللَّهُ عزّ وجلّ لغضبهما، فيُهلِكَ ربيعة. قالوا: ما تأمرُنا؟ قال: ارجعوا. قال: فانطلق أبو بكر إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتَبِعْتُه وحدي حتى أتى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فحدّثَه الحديث كما كان، فرفع إليَّ رأسه فقال: "يا ربيعةُ، مالك وللصدّيق؟ " قلت: يا رسول اللَّه، كان كذا، كان كذا، قال


(١) الصاع يذكّر، يؤنّث. فيقال: تسعة آصُع، وتسع.

<<  <  ج: ص:  >  >>