للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصلٌ

والوقف عقدٌ لازمٌ، لا يجوز فسخه (١)، ولا يباع؛ إلا أن تتعطل منافعه (٢)، ويصرف ثمنه في مثله، ولو أنه مسجدٌ وآلته وما فضل عن حاجته: جاز صرفه إلى مسجدٍ آخر، والصدقة به على فقراء المسلمين (٣).


(١) أما الوقف المعلق بالموت - كما لو قال: (هذا وقفٌ بعد موتي) -؛ فالمذهب أنه لازمٌ من حين قوله، ولا يمكن فسخه، لكن مع ذلك لا ينفذ منه إلا ما كان من ثلث المال فأقل، فيجعلونه وصيةً من وجهٍ ووقفًا من وجهٍ.
وهذا غير صحيحٍ ... ، والصواب: أنه لا ينفذ إلا بعد الموت، وأنه ما دام حيا فله التغيير والتبديل والإلغاء، فإذا مات فإن أجازه الورثة نفذ، وإن لم يجيزوه نفذ منه قدر التركة فقط ...
وظاهر كلام المؤلف [- أيضًا -]: أنه لا فرق بين أن يكون الإنسان مدينًا أو غير مدينٍ ...
والقول الثاني - وهو الأرجح -: أن الوقف في هذه الصورة ليس بلازمٍ ولا يجوز تنفيذه؛ لأن قضاء الدين واجبٌ والوقف تطوعٌ، ولا يجوز أن نضيق على واجبٍ لتطوعٍ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -.
أما إذا حدث الدين بعد الوقف فالأرجح أن الوقف يمضي، والدين ييسر الله أمره.
(٢) واختار شيخ الإسلام - رحمه الله - جواز بيعه للمصلحة [أيضًا]؛ بحيث ينقل إلى ما هو أفضل ...
وما اختاره شيخ الإسلام - رحمه الله - هو الصواب، لكن في هذه الحال يجب أن يمنع من بيعه أو إبداله إلا بإذن الحاكم؛ لأنه قد يتعجل الموقوف عليه، ويقول: (أبيعه لأنقله إلى ما هو أفضل)، ويكون الأمر على خلاف ظنه، فلا بد من الرجوع إلى الحاكم - يعني القاضي - في هذه الحال؛ لئلا يتلاعب الناس بالأوقاف.
(٣) هذا القول ضعيفٌ جدا؛ لأن المساجد نفعها مستمر، والصدقة نفعها مؤقتٌ؛ لأن نفعها مقطوعٌ؛ ينتفع بها الموجودون الحاضرون، ولا ينتفع بها من بعدهم. فالصواب: أن ما فضل عن حاجة المسجد فيجب أن يصرف في مسجدٍ آخر ما لم يتعذر أو ما لم يكن الناس في مجاعةٍ فهم أولى؛ لأن حرمة الآدمي أشد من حرمة المسجد - ولا شك - ...
والخلاصة: أنه متى جاز بيع الوقف فإنه يجب أن يصرف إلى أقرب مقصود الواقف؛ بحيث يساوي الوقف الأول أو يقاربه بحسب الإمكان.

<<  <   >  >>