الله، ولا يقال: يعلم الله، متعديًا إلى واحدٍ، لما كان معرفة البشر الله هي تدبر آثاره دون إدراك ذاته. ويقال: الله يعلم كذا ولا يقال: يعرف، لما كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصل إليه بتفكرٍ؛ قاله الراغب.
قلت: وقد فرق قوم بين العلم والعرفان بغير ذلك؛ فقال بعضهم: المعرفة: إدراك الشيء دون ما هو عليه. ومن ثم تعدت لواحدٍ. والعلم معرفته وما هو عليه. ومن ثم تعدي لاثنين، فمن ثم يقال: علم الله، دون عرف. وقال آخرون: المعرفة تستدعي جهلاً بالشيء المعروف بخلاف العلم فإنه لا يستدعي ذلك، ولذلك علم الله دون عرف الله. وقد وقع في عبارة بعض العلماء عرف الله، ومنهم الزمخشري في كشافه. ثم إنهم يقولون: علم يتعدى لمفعول واحد إذا كانت بمعنى عرف، ويجعلون من ذلك} لا تعلمونهم الله يعلمهم {[الأنفال: ٦٠] وحينئذٍ فكيف يصح ذلك؟ إذ المحذور أمر معنوي لا لفظي فإنه متى أريد بالعلم العرفان كانا بمعنى واحد امتناعًا وجوازًا. فيجب أن يقال:} الله يعلمهم {متعد لاثنين حذف ثانيهما وأما} لا تعلمونهم {فمتعد لواحد. قيل: وأصل عرفت: من أصبت عرفه. أي رائحته، أو من أصبت عرفه أي خده. وتقابل المعرفة بالإنكار والعلم بالجهل.
قوله:} وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا {[الحجرات ١٣] أي ليعرف بعضكم بعضًا بنسبه، فيقال: فلان بن فلانٍ من الحي الفلاني والقبيلة الفلانية والشعب الفلاني. وقد تقدم أن الشعوب في العجم والقبائل في العرب. والمعنى: لتعارفوا لا لتفاخروا، والأصل: لتتعارفوا فحذفت إحدى التاءين، وأثبتهما ابن كثيرٍ إلا أنه أدغم إحداهما في الأخرى، وهي أحرف معدودة بيناها في "العقد النضيد". وقيل:} عرف بعضه وأعرض عن بعضٍ {[التحريم: ٣] أي عرف بعض أزواجه وهي حفصة. وقيل:"عرف" بالتخفيف، قيل، بمعنى جازاها عليه، وهو مستفيض عندهم في الوعيد،