للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث علي رضي الله عنه: "رجل سماه الناس عالمًا ولم يغن في العلم يومًا سالمًا" يريد رضي الله عنه أن من الناس من يُتقد كونه عالمًا ولم يلبث في العلم يومًا تامًا، ولله دره ما أفصحه! قوله تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} [البقرة: ٢٧٣] هو جمع غني. والغني: من حصل له الغنى ضد الفقر. وهو مقصور، وقد مدة بعضهم ضرورة في قوله: [من الوافر]

١١٤٧ - سيغنيني الذي أغناك عني ... فلا فقر يدوم ولا غناء

والبصريون لا يجيزون نحوه. وأما الغناء، وهو الصوت بالنغم المعروف، فممدود. وأما الغناء بالفتح والمد فمعناه الكفاية. ثم الغني يكون على أضربٍ: أحدها ارتفاع الحاجات وامتناعها على ذلك المُستغني، وليس ذلك إلا لله تعالى دون خلقه. والثاني قلة الحاجات، وهذا موجود في الخلق. ومن الأول قوله تعالى: {إن الله هو الغني الحميد} [لقمان: ٢٦] أي لا يستحق الغنى المطلق إلا من له الحمد. ومن الثاني قوله تعالى: {ووجدك عائلًا فأغنى} [الضحى: ٨] وإليه أشار بقوله عليه السلام: "إنما الغنى غنى النفس" لأنه قد قال قبله: "ليس الغنى بكثرة العرض". والثالث كثرة القنيات وزيادة الأعراض الدنيوية، وهذا هو الذي يقع فيه كثير من الناس في ضروب من الفتن. وإليه أشار بقوله تعالى: {إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى} [العلق:٦ - ٧]

قوله: {ومن كان غنيًا فليستعفف} [النساء: ٦] أي ومن كان عنده مال يكتفي به عن أكل مال اليتيم فليطلب العفة والقنع من نفسه عن مال اليتيم. قوله: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} أي من رآهم من الجهلة بأحوالهم يحسبه أغنياء بكثرة القنيات لما يظهرون من التعفف عما في أيدي الناس والزهد فيه فيظنون أغنياء. وهذا هو غنى النفس الذي أشار إليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله تعالى: لقد كفر {الذين قالوا إن

<<  <  ج: ص:  >  >>