قال:«فمعنى الآية: من ينضم إلى غيره معينًا له في فعلةٍ حسنةٍ يكن له منها نصيبٌ، ومن ينضم إلى غيره معينًا له في فعلةٍ سيئةٍ يناله منها شدةً» وفي هذا الكلام وإن كان حسنًا نظرٌ من وجهٍ آخر وهو أنه جاء الكفل في جانب السيئة. ألا ترى إلى قوله تعالى:{يؤتكم كفلين من رحمته}[الحديد: ٢٨]. وقيل: الكفل هنا الكفيل، ونبه بذلك على أن من تحرى شرًا فله من فعله كفيلٌ يسلمه كما يسلم الكفيل المكفول ببدنه. وقد صرحوا بذلك في قولهم: من ظلم فقد أقام كفيلًا بظلمه، منبهةً منهم على أنه لا يمكن التخلص من تبعة ظلمه وعقوبته عليه، فخوطبوا بذلك. فلله در فصاحة القرآن حيث جرى معهم في كل أسلوب من أساليب كلامهم، فتظهر فصاحته وبلاغته في ذلك الأسلوب على كل فصيحٍ بليغٍ. فأين هذا الكلام وهو قولهم: من ظلم فقد أقام كفيلًا بظلمه، من قوله تعالى:{يكن له كفلٌ منها}. وهذا كما في قوله تعالى:{ولكم في القصاص حياةٌ}[البقر: ١٧٩] وقولهم: القتل أنفى للقتل.
قوله تعالى:{وكفلها زكريا}[آل عمران: ٣٧] قرئ بالتخفيف على معنى أن زكريا كفلها وحفظها من كل ما يسوؤها وتكفل بأمرها. قوله:{فقال أكفلنيها}[ص: ٢٣] أي اجعلني كافلًا لها.
قوله:{وذا الكفل}[ص: ٤٨] قيل: هو رجلٌ من الصالحين تكفل بنبي من الأنبياء بأمرٍ فوفى به، وقيل: نبي تكفل الله بأمورٍ فلم يخل منها بشيءٍ كما هو ديدن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. فالكفل ههنا بمعنى الكفالة، وفي حديث إبراهيم:«أنه كره الشرب من ثلمة القدح وقال: إنها كفل الشيطان». قال أبو عبيدة: الكفل