للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وراءهم ملك} [الكهف: ٧٩] قيل: هو هنا بمعنى أمامهم، كذا في التفسير. ومثله قوله تعالى: {من ورائهم محيط} [البروج: ٢٠] قال ابن عرفة: كيف قال: من ورائهم وهو أمامهم؟ فزعم أبو عبيدة وأبو علي قطرب أن هذا من الأضداد وهذا غير محصلٍ لأن أمام ضد وراء، وإنما يصلح هذا في الأماكن والأوقات، يقول الرجل إذا وعد وعدًا لرمضان في رجبٍ ثم قال: من ورائك شعبان، لجاز وإن كان أمامه لأنه مخلفه إلى وقت وعده وأنشد قول لبيد: [من الطويل]

١٨٠٥ - أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع؟

قلت: قوله: إنما يصلح هذا في الأماكن والأوقات، فيه نظر لأن وراء ظرف مكانٍ ليس إلا. وقال الأزهري في قوله: {من ورائه جهنم} [إبراهيم: ١٦] وراء بمعنى خلف وقدام. ومعناه ما توارى عنك واستتر. وأنشد للنابغة: [من الطويل]

١٨٠٦ - حلفت فلم أترك لنفسك ريبةٍ ... وليس وراء الله للمرء مذهب

أي بعد الله.

قوله: {ويكفرون بما وراءه} [البقرة: ٩١] أي سواه؛ قاله الفراء. قلت: كأن الأزهري جعله متواطئًا، وغيره جعله مشتركًا اشتراكًا لفظيًا لقوله: من الأضداد. {فأواري سوءة أخي} [المائدة: ٣١] أي أسترها. وكذا قوله: {يواري سوءاتكم} [الأعراف: ٢٦]. ومثله: {حتى تورات بالحجاب} [ص: ٣٢].

والتورية: أن تظهر شيئًا وتريد غيره، كأنه يظهر جزءًا ويستر آخر. وفي الحديث: "إذا أراد غزوًا ورى بغيره". قال بعضهم: ستر ووهم غيره. وأصله من الوراء، أي ألقى

<<  <  ج: ص:  >  >>