وقال الحسن:"غير متناولٍ للذةٍ، ولا متجاوزٍ سد الجوعة". وقال مجاهد:"غير باغٍ على إمامٍ ولا عادٍ في المعصية طريق الحق". وقيل:} غير باغٍ {أي غير طالبٍ ما ليس له طلبه، ولا متجاوزٍ لما رسم له.
وقولهم: بغى بمعنى تكبر، راجع إلى ما قدمته، فإنه تجاوز منزلته إلى ما ليس له تجاوزه. وقد فرقوا بين بغيتك وأبغيتك، فقالوا: بغيتك أي بغيته لك، ومنه قوله تعالى:} يبغونكم الفتنة {[التوبة: ٤٧]. وأبغيتك: أعنتك على البغاء، أي على طلبه.
"وابتغى: مطاوع بغى، فإذا قيل: ينبغي أن يكون هكذا فهو باعتبارين، أحدهما ما يكون مسخرًا للفعل نحو: النار ينبغي أن تحرق الثوب. والثاني بمعنى الاستئهال نحو: فلان ينبغي أن يعطي لكرمه، وعلى المعنيين جاء قوله تعالى:} وما علمناه الشعر وما ينبغي له {[يس: ٦٩] أي لا يتسخر ولا يتسهل له". قال الراغب: ألا ترى أن لسانه لم يكن يجري به؟. قلت: ولذلك كان إذا تمثل بشيءٍ من الشعر أتى به على غير نظمه. كما يحكي أنه تمثل بقول طرفة فقال:[من الطويل]
١٧٩ - ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك من لم تزود بالأخبار
فلقنه أبو بكرٍ: ويأتيك بالأخبار من لم تزود. فلم يقله. وقد نقل أنه تكلم بشيءٍ على سبيل الاتفاق، وقد أتقنا هذه المسألة - وخلاف الناس في أنه هل كان مصروفًا عن ذلك بطبعه، أو كان في قدرته ولكن لم يقله - في كتابنا "التفسير الكبير".
وابتغى: افتعلٍ من البغي. وقد غلب اختصاصها للاجتهاد في الطلب؛ فإن كان ذلك المطلوب محمودًا فابتغاؤه كذلك وكذا عكسه. فقوله:} ابتغاء رحمةٍ من ربك ترجوها {[الإسراء: ٢٨] محمود. وقوله:} لقد ابتغوا الفتنة من قبل {[التوبة: ٤٨] مذموم. وقولهم: ما أنبغي لك، وما أبتغي لك كذا، أي ما يصلح ولا يتسهل.